11 أكتوبر 2025
تسجيلما زال استقطاب المتطوعين في عالمنا العربي عموما، وفي دول الخليج خصوصا محدودا للغاية، سواء كان من شريحة الشباب للتطوع بالجهد والوقت، أو كان من نجوم وشخصيات المجتمع في الجوانب الاجتماعية أو الفنية أو الإعلامية أو الرياضية، ممن تمكن الإفادة من مواهبهم وشهرتهم والكاريزما الخاصة بهم في التسويق للمشاريع الخيرية واستقطاب الدعم لها.ومثلما أن الجمعيات الخيرية لا تزال مقصّرة في غرس قيم العمل الخيري ونشر ثقافته في المجتمعات، ولفت الأنظار للمشاكل العميقة التي تعاني منها المجتمعات الفقيرة كالمجاعات والتصحر والبطالة والتوعية بها من خلال وسائل الإعلام وغيرها، فإنها تركز بصورة أكبر بكثير على تسويق البرامج والمشاريع التي تنفذها، من خلال وسائل التحصيل التقليدية أو الإلكترونية، واستحصال المعونات المالية والعينية؛ فيما يشكو عملها من قصور كبير في ابتكار الوسائل والطرائق والأساليب التي تستطيع بها جذب الشباب وأصحاب التخصصات والقدرات والنجوم للعمل الإنساني، والإفادة منهم تطوعيا في تحسين أدائها وفتح آفاق جديدة لتمويل ودعم برامجها وخدماتها.تقف وراء هذا التقصير عدة أسباب مهمة لعل من بينها ما يلي:ـ الذهنية التقليدية التي لا تريد أن تفكر خارج الصندوق ، أو تخرج عن السائد المألوف، أو تسعى للتطوير والتحسين المستمر.ـ ربط العمل الخيري بالرصانة والجدية والعمل الدعوي والديني فقط، وبالتالي يصبح الاقتراب من عالمي الرياضة والفن وما شابه، ربما ضرب من المخاطرة ، أو يجعله عرضة للانتقاد.ـ عدم الإفادة من خبرات وتجارب المؤسسات الإنسانية الغربية، وما وصلت إليه في مجالات نشاطها، أو في جوانب الإعلام والتسويق وتنمية الموارد على مستوى الأساليب والوسائل، فيما الأصل هو أن الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها، طالما أنها لا تخالف أصلا عقديا.ولعلنا نذكر القائمين على الجهات الخيرية بحقيقة لا تغيب عن أذهانهم، وتتمثل في أن تنفيذ المؤسسات لمشاريعها وتحقيق النجاح في هذا المجال مرهون بأمور رئيسية، لعل في مقدمتها توفر موارد تعينها على القيام بذلك، وجودة الأنشطة والخدمات المقدمة للمستفيدين، وبالتالي فإن عليهم بذل أقصى الجهود في هذين المجالين معا، خصوصا في ظل التنافس مع المؤسسات الشبيهة بها، واتساع رقعة الفقر والعوز والحاجة للإغاثات العاجلة .. ففي الجانب الأول تسعى المنظمات على سبيل المثال لا الحصر لعقد الشراكات وتعزيزها مع المنظمات الدولية والجهات المانحة، والإفادة من المسؤولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص، فضلا عن ابتكار منتجات لأمور تثير جاذبية المتبرع أو وسائل تعينه على التبرع بيسر وسهولة.لكنّ ما سبق عرضه لا يعني بحال من الأحوال غياب مبادرات جيدة، وخطوات ممتازة قطعت في هذا الجانب من طرف بعض المؤسسات، ولعل ما لفتني ما تقوم به جمعية قطر الخيرية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة في هذا الصدد على الأقل، وسأكتفي هنا بالإشارة العاجلة له، وللأهمية التي يمثلها: ـ المرحلتان الأولى والثانية من رحلة "تحد من أجل الحياة" الأولى عامي 2012 ، و2014 وتسلق قمتين جبليتين في أفريقيا وأمريكا الجنوبية من أجل لفت أنظار العالم للمسائل الإنسانية والتوعية بها ووجوب تقديم العون لها، بواسطة متسلقي جبال من المتطوعين القطريين لدى الجمعية، حيث تمّت التوعية بمجاعة غرب إفريقيا عام 2012، والآن بقضايا الأيتام والأطفال، ومنهم مرضى القلب من الأطفال اليمنيين. ـ تنظيم مباراة بين مشاهير لاعبي كرة القدم المسلمين في العالم ومنتخب لاعبين من السعودية بمكة المكرمة نهاية العام الماضي، في إطار مبادرة "رفقاء" التي أطلقت لحشد الدعم للأيتام في العالم.ـ "سفراء قطر الخيرية" وهي مبادرة تشمل شخصيات قطرية ودولية لها حضورها في مجالها، ومن أبرز السفراء المعينين الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني الأمين العام للجنة الأولمبية، والإعلامي القطري محمد سعدون الكواري، وقبلهما الشيخة حصة بنت خليفة آل ثاني، ونجم كرة القدم الدولي فرديريك عمر كانوتيه.ـ " نجوم قطر الخيرية" وهم مشروع يحمل شعار" معاً نرفع سقف العطاء" لتوفير الدعم المادي والمعنوي للأعمال الخيرية داخل قطر وخارجها، ومن النجوم المنخرطين في هذه المبادرة عدد من اللاعبين الرياضيين في قطر ودول الخليح.ـ مسابقة " المتنافسون" وهي مسابقة اجتماعية تم تنظيمها في شهر رمضان الماضي لجمع التبرعات المالية اللازمة لتنفيذ المشروعات الإنسانية عبر العالم، وقد نافس فيها مجموعة من نجوم الإعلام والرياضة والشباب بقطر، وتمكنت من حصد 4 ملايين ريال.كل هذه المبادرات والأنشطة السابقة تطوعية بامتياز، استفادت من النجومية التي يتمتع بها أصحابها، كلٌّ في مجاله، وكلها صبّت إما في التوعية بقضايا العمل الإنساني أو لحشد الدعم المادي والمعنوي له .. ومازال المجال متاحا لمزيد من الإبداع والإنجاز في هذا الجانب المهم.