10 سبتمبر 2025

تسجيل

الحب الغريب

08 يناير 2013

نقترب من البعض ممن حولنا كثيراً، نحبهم بقوة ونألف وجودهم في حياتنا، يصبحون جزءاً لايتجزأ من أيامنا التي نعيشها، وقد لا نتخيل حياتنا دون وجودهم، وربما لانفكر أبداً بأنهم قد يصبحون بعيدين عنا يوماً. أعجبتني جملة قرأتها لإحداهن عندما قالت: "البعض يرحل ولا نحزن لرحيله، لربما لأنه كان لابد أن يرحل منذ زمن بعيد". ذكرتني هذه الجملة بقصة قصيرة مترجمة من القصص الغربية قرأتها منذ زمن، عن السيدة التي قامت بتربية طفل أخذته من دار لإيواء الأطفال الذين يعيشون بلا أب أو أم لأي سبب، وأخذت على عاتقها منذ اليوم الأول من إقامته في منزلها العناية به واحتواءه، رأته يكبر أمام عينيها وهي تحيطه بكل أنواع الحب والاهتمام، لكنه لم يكن كذلك ناحيتها، فقد كان دائما متمرداً ساخطا على أشياء كثيرة، وبقدر ماكان عطاؤها له وحبها، بقدر ماكان يميل إلى الجحود في التعامل معها، ومرت بهما الأيام، وبعد أن كبر وأصبح فتى شاباً جاءت لحظة الاستقلال والخروج والرحيل من حياتها، رتب أغراضه وأخذت تساعده في ترتيبها وتأمل له حياة سعيدة مليئة بالنجاح، آملة له أيضاً مستقبلاً باهراً في اعتماده على نفسه، وفي لحظة الرحيل ودعها شاكراً لها كل أفضالها، وخرج وأغلقت الباب خلفه، وأخذت ترقب مشاعرها وحسها، وانتظرت أن تشعر بذلك الألم والحزن الذي يصحب أي وداع ورحيل، لكنها لم تشعر به، وأخذت تفتش داخلها عن أثر لحزن أو أسى على رحيله فلم تجد، فحدثت نفسها قائلة:"ربما لأنه كان لابد أن يرحل يوماً". بلاشك أن هناك من الناس من نفتقد بصمتهم الحقيقية في داخلنا، بصمة ودهم وولائهم. لاشك أن هناك من الناس أحياناً من يكونون بجانبنا ومعنا لكننا بمجرد أن يبتعدوا عنا نفاجأ بأننا لم نشعر بوحشة لعدم وجودهم ولانشعر بأي نوع من الشوق إليهم، ربما لأنهم يعيشون معنا بأجسادهم فقط، لكن أرواحهم تفتقر إلى الحب الذي لم نشعره منهم، ولم يصل لحسنا وقلوبنا يوماً، وإنهم لم يؤثروا في حياتنا ذلك التأثير لأن قلوبنا كانت تحاول توصيله لهم اهتماماً وحباً ولكنه للأسف لم يجد له استقبالاً يستحقه ولا أي صدى في دواخلهم. نعم فمازال البعض منا يعيش مع هذا النوع من الحب الذي يعيش غريباً فلانشعر بموته حين يرحل أو يغيب، قد نرى ذلك النوع من الحب الغريب..ي أقرباء وأصدقاء أو حتى في شركاء يعيشون بهذا الشعور تحت سقف واحد، فسوء التقدير هو من يجمد كل مشاعر الحب العظيمة في القلوب. جميل أن نحاط في حياتنا بأشخاص يقدرون مشاعرنا نحوهم، حبنا لهم واهتمامنا بهم، يبادلوننا مشاعر الحب بالحب، ويرفضون إلا أن تشعر قلوبنا بودهم، ويصرون على أن يجعلونا نفتقدهم عند غيابهم ونشتاق إليهم. آملة كل الحب للجميع، الحب الذي ينال كل التقدير وليس أبدا.. ذلك الحب الغريب..