12 سبتمبر 2025

تسجيل

ومع هيمنة اليهود العالمية.. تتهود المعرفة 2-2

07 ديسمبر 2023

..... نواصل الحديث حول كتاب «تهويد المعرفة» لمؤلفه ممدوح عدوان. يعود الكاتب ليقلّب أوجاع أعراق أخرى من البشر، فيأتي على الزنوج الذين لم يتطلّب الزعم أكثر من مجرد ازدراء لونهم، والذي يضعهم في مرتبة أدنى من الإنسان السوي، كنتيجة طبيعية. يستمر الكاتب فيقول: «وحتى الزنوج! لقد سُرق الأفارقة من بيوتهم وقراهم وغاباتهم، وتم نقلهم على سفن الرقيق في ظروف لا إنسانية، فمات منهم عشرات الملايين في السفن وفي الطريق والسجون، ووصل الباقون بعشرات الملايين ليباعوا ويعيشوا عيشة الرقيق. وهناك ماتت أعداد كبيرة منهم أيضاً بسبب سوء الظروف المعيشية، وبسبب إباحة دمائهم على أنهم ليسوا بشراً أسوياء. وبعد قرون من الاسترقاق تم تحريرهم ليعيشوا عيشة لا تقل قسوة في مجتمع التمييز العنصري، وذلك كله لأن لونهم أسود». ولأن تبرير تشريدهم واستعبادهم وقتلهم ليس أمراً جللاً ليتكلّف اليهود عرض رأي موضوعي يوازي -من ناحية إنسانية على الأقل- ما جرى لأسلافهم، يتصدى الكاتب لفضحهم قائلاً: «يقول لك الكتّاب اليهود: إن لهذه المأساة أسباباً اقتصادية، ولذلك فهي ليست أكبر المآسي! وقد يهمسون جانبياً: في النهاية، هؤلاء كانوا أفارقة ووثنيين وهمجاً وسوداً! انظر إلى أشكالهم. وإذا أعيتهم الحيلة في هذا الموضوع قالوا: على أية حال كانت مأساة اليهود في بابل أكبر، حين سباهم نبوخذنصر». لذا، فإن للعقدة اليهودية جذورها الضاربة في التاريخ، والتي تعود إلى حيث تم اضطهادهم من قبل البابليين، وإرادة يهوه في تكالب الأمم الأخيرة لصالحهم، دفاعاً وانتقاماً! يتصدى المؤرخ الأمريكي باترسون لتلك العِرافة التوراتية في كتابيه (الألفية الجديدة) و(النظام العالمي الجديد) بعد عاصفة الصحراء التي اجتاحت الخليج العربي في حرب مصيرية، أواخر القرن العشرين. «يقول باترسون: «من موقع برج بابل، حيث تبلبلت الألسن وتفرقت كل أمم الأرض، ها هي تعود من جديد وتدخل في حلف عسكري واحد. وها هي أمم الأرض، كما تقول النبوءات العبرانية، تشكل نظاماً عالمياً جديداً للدفاع عن إسرئيل، والانتقام من بابل بقصفها من السماء، لأنها هي التي عذبت شعب الله وأغرقته بالدموع والأحزان». وهو يمجد الصهيونية لأنها «كالبيوريتانية استجابت للعهد الذي أعطى فيه يهوه لبني إسرئيل الأرض المقدسة من نهر النيل جنوباً حتى أعالي الفرات»». والبيوريتانية تعني التطهيرية، وهو مذهب مسيحي بروتستانتي نشأ في القرن السادس عشر الميلادي، ويقوم على الإيمان بالكتاب المقدس والتزام تعاليمه مقابل نبذ كل ما سبق من مواعظ رجال الكنيسة، ويعتقد أتباعه بأن الله طهرهم واصطفاهم وفضلهم عن العالمين. يعود باترسون في استقرائه لأحداث التاريخ، منذ الأسر البابلي ووعود يهوه المزعومة، إلى نكبة حزيران وحرب الخليج الأخيرة، التي يُختم بها جولة الحرب التي حمي وطيسها منذ أكثر من أربعة عشر قرناً في تزامن مع بزوغ الإسلام، كدين سماوي منافس لليهودية والمسيحية. فيستمر في كتابه قائلاً: «وعلى هذا الأساس كان اجتياح إسرائيل للقدس في حرب حزيران عام 1967 «أعظم حدث روحي في تاريخ الكتاب المقدس». ويؤكد باترسون أن حرب «عاصفة الصحراء» في الخليج العربي كانت المعركة التي حسمت حرب الأربعة عشر قرناً بين الشرق والغرب، بين الإسلام ومنافستيه المسيحية واليهودية. ثم يستشهد بما أوردته مجلة يو إس نيوز (في 27 آب 1990): «إن النزاع القائم في الخليج الفارسي ليس مجرد معركة من أجل الكويت، أو لبسط السيطرة على نفط الشرق الأوسط، إنه الفصل الأخير في حرب قديمة تدور رحاها منذ أربعة عشر قرناً بين الشرق والغرب، بين الإسلام ومنافستيه التوحيديتين: المسيحية واليهودية»». أخيراً، يدعو الكاتب في خواتيم كتابه إلى شحذ الهمم نحو خوض معركة مصيرية، نكون فيها أو لا نكون. ونعوّض فيها خسائرنا الساحقة التي لم تأتِ على الأرض والوطن والبيوت والمروج وحسب، بل على التاريخ والمعرفة معاً، إذ لا يكفي اعتقادنا الجازم فيما نمتلكه من حق في ظل تجاهل العالم نحونا، ولم يعد امتعاضنا مجديا والاستغراق في إلقاء اللوم على وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها كذلك. فلقد امتدت سيطرتهم لتأتي على المناهج الأكاديمية والدراسات التاريخية، بل ولتعمل على ضخ الموسوعات العلمية وحشد شبكة المعلومات العالمية بما أرادوا من معلومات، حتى أصبحت بمثابة أو بالكاد حقائق مسلم بها.