12 سبتمبر 2025
تسجيل*ربما لا يجهل الكثيرون من جيلنا (معهد القرش) وامثاله من المعاهد الفنية المتخصصة، التي رفدت سوق العمالة السودانية ومصانعها في ذلك الزمان بعمالة ماهرة في فنون الاعمال اليدوية، كالنجارة والحدادة ودباغة الجلود والمشغولات الذهبية. ومعهد القرش الصناعى بأمدرمان مؤسسة شعبية انتجتها روح التضامن والوفاء للوطن والناس عام ،1931 لتأخذ بيد الاطفال اليتامى وابناء الفقراء وبناتهم نحو النور والمعرفة، وتأهيلهم ليواجهوا الحياة بسلاح الصنعة والمهارة اليدوية لضمان مستقبلهم بدل الفاقة والضياع. والمعهد رمز من الرموز القومية بامدرمان ومعلم من معالم الوطنية الشامخة، شيده شعب السودان صرحا قوميا قبل اكثر من ثمانين عاما، دليلا على قوة هذا الشعب وتضامنه فى فعل الخير.* ومن يعتقد ان شوارع المدن الكبيرة والعاصمة المثلثة الخرطوم يمكن ان تجفف تماما من اطفال الشوارع، فهو واهم، مادام رحم النساء نابضا بالحياة، ولكن تلك الجهود طواها الزمان واغتيلت مشروعات المعاهد الفنية وشبيهاتها، التي كانت وعاء صالحا ومهيبا، عمليا واجتماعيا ونفسيا، لاستيعاب الفاقد التربوي وما يعرف بأطفال الشوارع لرفد اسواق العمالة بفنيين مهرة، وفي نفس الوقت تهيئة هذه الشريحة المهمة للاندماج في العمل والمجتمع، بما يحفظ كرامتها من عثرات الطريق ولكسب لقمة عيشها الحلال، بعيدا عن مذلة السؤال والاعمال الهامشية وهم ما زالوا صغارا، بما قد يدفعهم لامتهان الجريمة والوقوع في شباك ومتون تناول الكحول والحبوب المنشطة وكثير من الضار بالصحة والمجتمع.* إن الشارع ومحطات البترول وأمام المشافي والكافتريات والاسواق الشعبية والأزقة، وما بين اشارة ضوئية وأخرى، باتت تغص بفلول الصبية والصبيات اليافعات المزعجة للسائقين والمشاة، بتلك الايادي الغضة التي تتمدد بسؤال رغيف العيش، او بنسج حكايات عن أم مريضة او شقيقة تحتضر، تسلب القلوب الراحة وتقلق عابري الطريق، الذين يشككون في بعض تلك الحكايات التي تنسج لتليين القلوب، وكثير منها حقائق وواقع مؤلم في ظل ظروف معيشية طاحنة.* أطفال الشوارع قضية ذات أبعاد إنسانية، وهو ملف مؤجع لكل عابري الطريق ولهذه الفئة المظلومة التي لفظتها ظروف مختلفة، ووجدت نفسها علی سطح صفيح ساخن، تحت هجير الشمس وضيق أعين وجيوب المارة والراكبين، وايضا الجالسين على مقاعد المسؤولية اللذين تراجعت انجازاتهم وحيلهم لاحتواء اطفال الشوارع، وخلق مسارات وابتكارات ومشروعات لرعايتهم وتعليمهم، كمعهد القرش ومصانع النسيج وتعليب الفواكه والمشروعات الزراعية، التي وقفت عجلاتها ونامت كالاطلال تحدث الناس عن نهضة قامت فماتت مبكرا، رغم الجهود المبذولة حاليا لاعادة دوران عجلاتها، وستبقی الارحام والمودة تمد الشارع بأفواج اطفال يناضلون من اجل سد رمق بطون خاوية.. فهل تنهض العقول لتبني ما يحمي الاجساد النحيلة، ويرجع اطفال الشوارع لكراسي الدرس والتعلم وحضن الاسرة والمجتمع فردا فردا؟!همسة: هي رسالة الی وزيرات الشؤون الاجتماعية لفتح ملفات اطفال الشوارع كثروة قومية مهمة.