28 سبتمبر 2025
تسجيلبعد عشرين شهراً من حراكه الثوري ثبت للشعب السوري بما لا يدع مجالا للشك أن الشرق والغرب يقفان ضد رغبته في إزاحة كابوس الظلم الجائر على صدره منذ أكثر من أربعة عقود. حيث يواصل الجاني على مرأى ومسمع من هذا العالم ارتكاب جرائمه التي يندى لها جبين الإنسانية خجلا، قتلا وتنكيلا وتشريدا وتدميرا. الكل مشترك في جريرة ما يحصل بسوريا، وبخاصة من يدّعون تزعم العالم وقيادته، وامتلاك القوة التي يمكن أن تضع حدا لإجرام فاق الوصف، وتجاوز كل حدود المعقول، سواء من يدعم النظام بالمال والسلاح والمواقف السياسية كإيران وروسيا والصين، أو من يغضّ الطرف عن مجازر وفظائع النظام، ويمنحها رخصة ضمنية، وذلك بالتشدق بعدم إمكانية التدخل العسكري عبر التصريح بوسائل الإعلام، أو اعتبار السلاح الكيميائي " خطا أحمر " بمعنى أي ما دونه من قصف بالطائرات والراجمات وارتكاب المجازر مسموح باستخدامه من قبل كتائب الأسد، أو يعمل على تمييع القضية من خلال الموافقة تلو الأخرى على مبادرات أممية فاشلة لا تقدِّم ولا تؤخِّر، أو يتساوق مع الحديث عن أن ما يحدث في سوريا حرب أهلية، وليست ثورة لشعب ضد جلاده، استمرت سلمية مدة ستة أشهر حتى أرغمت على حمل السلاح، أو التخويف من الأصولية الجهادية و " القاعدة" التي انخرطت في قتال النظام، رغم محدودية عددها ووزنها، مقارنة بالفصائل الكثيرة الموجودة على الأرض عددا وحجما وتأثيرا، وأخيرا فرض إملاءات بعض حكوماتها لتعديل الواجهة السياسية الرئيسة للمعارضة (المجلس الوطني السوري) إلى حد اعتبار أن أيامه "باتت معدودة"، ومحاولة فرض أشخاص بعينهم في قيادتها، وطرح مبادرات أخرى، قد تفضي لمزيد من شرذمة المعارضة، وخلق فتنة بين رموزها. القوة الناعمة قد تكون أخطر من القوة الخشنة والعدو المستتر قد يكون أشد تأثيرا من العدو الذي يعمل ضد خصمه في وضح النهار، لذا فإن الكثيرين رأوا في المواقف الأمريكية من الثورة السورية جريمة لا تقل عن آثام داعمي الأسد، خصوصا وأن هذه الدولة العظمى تدّعي دعم الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وزعامة العالم الحر، وبالوقت نفسه تمنح إذنا ضمنيا بقتل شعب وانتهاك حقوقه بشكل فاضح مدة تزيد على عام ونصف العام، إرضاء للكيان الصهيوني، الذي يريد وصول معارضة منهكة، ودولة مدمرة في اقتصادها وبنيتها التحتية، تستسلم لشروط الدعم الخارجي، وتقبل بضمان أمن إسرائيل، ولا تريد وصول معارضة وهي بعافيتها تستطيع أن تكون عصيّة على قبول الإملاءات الإقليمية والدولية. لقد بلغ الحد بوزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون أن تطرح بعض الأسماء والمنظمات التي "يتعين أن تظهر بشكل أكثر بروزاً في أي قيادة جديدة للمعارضة في سوريا"، وأن تعلن جهارا نهارا أن "أيام قادة المجلس الوطني السوري باتت معدودة"، وعن احتمال سرقة الثورة لحساب من تسميهم الجماعات الجهادية و "القاعدة " في تدخل سافر ووقح في قضايا البيت الداخلي للمعارضة والثوار في الداخل، في حين لم تقدم إدارتها سوى الكلام والوعود لدعم الثورة السورية منذ انطلاقتها، أو لإيقاف مجازر الأسد المتواصلة، متخلية بذلك عن أبسط القيم أو المعايير لأخلاقية والإنسانية في الوقوف إلى جانب المظلوم والأخذ على يد الظالم. "ربّ ضارة نافعة" كما يقول المثل، فلعل هذه المواقف المخزية للمجتمع الدولي وتصريحات بعض مسؤوليه تكون مفيدة ونافعة للشعب السوري وثورته، ولعل من أبرز هذه الفوائد: ـ أنها كشفت أن "المجلس الوطني السوري" على علاّته ووهنه، ليس على علاقة حسنة مع الولايات المتحدة والغرب كما يدّعي النظام الأسدي وحلفاؤه، وأنه بسبب رفضه التنازل عن بعض الثوابت تريد واشنطن إزالته وخلق معارضة بديلة موالية لها، وهو ما من شأنه زيادة الالتفاف حول المجلس، ودفع قوى وطنية للمعارضة للتفاهم معه، على قاعدة الإصلاح من الداخل، وبالوقت نفسه كشفت حقيقة المواقف الأمريكية ودوافعها التي لم تعد خافية، وانكشاف أحوال بعض أطراف المعارضة وعرت مواقف شخوصها. ـ التأكيد على أن القرار في نهاية المطاف ليس لهذه القوى الدولية مهما بلغ حجمها وإنما هو للشعب ولمكوناته الثورية في الداخل، وإن من يتصدى لكل جبروت كتائب الأسد والدعم الإيراني وكتائب حزب الله والدعم الروسي على الأرض لهو قادر على رفض المبادرات الغربية المريبة والتمسك بحقوقه. ـ أهمية الاعتماد على الله واستمطار المدد منه أولا، وعلى العزيمة الصادقة لنضال الشعب السوري الذي يواصل كفاحه لمدة عشرين شهرا دونما توقف رغم حجم الخسائر ووحشية النظام الذي يواجهه ثانيا، دون تعويل على أحد غير ذلك.. إن أسباب السماء لا يعرفها إلا المؤمنون وأصحاب القيم المبادئ السامية، فمن توكّل على الله حق توكله واستمد القوة منه مع استفراغ الجهد في الأخذ بالأسباب المادية لاشك أنه منصور طال الزمن أو قصر. أيها الثوار في سوريا..أيها المعارضون الشرفاء.. كونوا على ثقة بنصر الله الذي نرجو أن يكون قريبا، وكونوا على حذر من المخططات التي تريد خطف ثورتكم، لصالح أجندات خارجية أو وأدها في المهد أو حرفها عن مسارها..والله معكم ولن يتركم أعمالكم.