16 سبتمبر 2025
تسجيل- قد تكون الحصانة البرلمانية حصانة موضوعية - وقد تكون الحصانة البرلمانية حصانة إجرائية فإذا كانت الحصانة موضوعية بمعنى أنها تمنع المسؤولية. أما إذا كانت الحصانة إجرائية بمعنى أنها تحمي النائب (عضو مجلس الشورى) من الإجراءات الجنائية التعسفية التي قد تلجأ إليها السلطة التنفيذية كحماية للعضو من الكيد له. أولاً: الحصانة الموضوعية لعضو مجلس الشورى: هذه الحصانة نصت عليها المادة (١١٢) من الدستور القطري بأن " لا تجوز مؤاخذة عضو المجلس عما يبديه أمام المجلس أو لجانه من آراء أو أقوال بالنسبة للأمور الداخلة في اختصاص المجلس" بالطبع إن هذه المادة من الدستور القطري تؤكد مجموعة المبادئ التي استقرت في التقاليد البرلمانية في بعض الدول الأوروبية. حيث ترى هذه التقاليد أن النائب أو عضو مجلس الشورى يستحيل عليه بدون هذه الحصانة أن يشعر بالطمأنينة أو أداء عمله بحرية وراحة، لذلك.. فإن أعضاء مجلس الشورى والذين يعتبرون ممثلين للشعب لا يجوز مساءلتهم، لا مدنياً ولا جنائياً، وذلك عن الأفكار والآراء والأقوال التي تصدر منهم أو يصرحون بها داخل مجلس الشورى أو حتى في لجانه اذا كان ذلك ضرورياً لأداء وظائفهم. وكما علقت المذكرة التفسيرية للدستور للقطري بأنه: بأي حال من الأحوال يجب أن لا يكون في الرأي الصادر من عضو مجلس الشورى: 1) أي مساس بأسس العقيدة. 2) أو بوحدة الوطن 3أو بالاحترام الواجب للأمير - وحسن فعل المشرع القطري ذلك في مذكرته التفسيرية مع تأييدنا القانوني والشرعي له. - حدود الحصانة لعضو مجلس الشورى: كما تم ذكره وبيانه.. فإن الحصانة لعضو مجلس الشورى ليس هدفها أن تجعل الأعضاء مميزين قانونياً عن المواطنين القطريين، أو من يعيش على إقليم الدولة!! يعملون ما يشاءون دون أي مساءلة قانونية، ولكن الهدف الاساسي لهذه الحصانة هي توفير الأمان والشعور بالطمأنينه والراحة والحرية المطلوبة لكي يؤدي أعضاء مجلس الشورى مهامهم تحت قبة المجلس دون خوف ودون حرج ودون تفكير ودون خشية من السلطات. - ويمكن أن نقسم هذه الحصانة إلى الآتي: 1) المستوى الأول: يمكن أن نطلق عليه (موضوعي) أي تتعلق بنوعية الأفعال التي تشملها هذه الحصانة، أي أن هذه الحصانة تبقى على مستوى الأداء والأفكار والأقوال التي تصدر من عضو مجلس الشورى. وبالطبع يجب أن تكون ضرورية لأداء مهامه في المجلس، لذلك فإن أي جرائم عادية يرتكبها عضو مجلس الشورى لا تشملها هذه الحصانة، وعلى سبيل المثال: قيام عضو مجلس الشورى بالاعتداء على عضو آخر داخل مقر مجلس الشورى، أو اعتداء العضو على أي شخص أو موظف تحت قبة المجلس، أو حتى خارج مبنى مجلس الشورى، أو أن يقوم العضو بتزوير في مضابط الجلسات، وغيرها من الجرائم التي لا يُعفى منها العضو بالحصانة المقررة. - ولكن هنا أيضاً نقطة نظام يجب الإشارة إليها والتنبيه بشأنها لأعضاء مجلس الشورى: أن هناك فرقا بين هذه المخالفات التي لا تدخل تحت موضوعية الحصانة البرلمانية وبين أي أقوال أو آراء يبديها عضو مجلس الشورى، فلعضو المجلس أن يتهم أي موظف أو أي مسؤول أو حتى أي وزير ما لم ينص القانون على خلاف ذلك يتهمهم بالرشوة، أو بالتزوير، أو بالخيانة، أو باستغلال نفوذهم، وذلك دون أن تثار مسؤوليته الجنائية أو المدنية، حيث إن القانون والدستور يحصنه ضد هذه المسؤولية ما لم يكن هناك كما ذكرنا: - مساس بالعقيدة - مساس بوحدة الوطن - مساس بالاحترام الواجب للأمير وغير ذلك للعضو أن يبدي ما يشاء من أقوال وأفكار أو اتهام ضد أي موظف أو وزير. 2) المستوى الثاني: - ويمكن أن نطلق عليه (مكاني) أي أن أقوال عضو مجلس الشورى وأفكاره وآراءه عليه أن يبديها داخل المجلس أو في لجانه. لذلك اذا أبدى عضو مجلس الشورى أي شيء من تلك الآراء أو الأقوال خارج المجلس ولجانه فيعتبر قانونياً انه تصرف كأي شخص عادي، وهنا تطبق على عضو مجلس الشورى جميع القواعد القانونية التي تحكم الأفراد العاديين مع وجود بعض من الاجراءات المعينة التي يجب أن تُتخذ في حالة عضو مجلس الشورى. - الحصانة الإجرائية لعضو مجلس الشورى: نصت المادة (113) من الدستور القطري على أن: " لا يجوز في غير حالات التلبس القبض على عضو مجلس الشورى أو حبسه أو تفتيشه أو استجوابه إلا بإذن سابق من المجلس وإذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصول الطلب إليه اعتبر ذلك بمثابة إذن ويصدر الإذن من رئيس المجلس في غير أدوار الانعقاد. في حالة التلبس يجب إخطار المجلس بما اتخذ من إجراءات في حق العضو المخالف وفي غير دور انعقاد المجلس يتعين أن يتم ذلك الإخطار عند أول انعقاد لاحق له". إذا نظرنا من خلال هذه المادة في الدستور القطري فإنها تعطي عضو مجلس الشورى استقلالية وحرية، وتعطي لوظيفة العضو الطمأنينة والحصانة ضد المسؤولية الجنائية والمدنية وذلك عن كل ما يبديه عضو مجلس الشورى من اراء وأقوال وأفكار داخل مجلس الشورى أو لجانه، وأيضاً حماية لعضو مجلس الشورى من أي إجراءات جنائية تعسفية، وأيضاً تمكين السلطة التنفيذية من ان تكيد بعضو المجلس أو تتخذ اجراءات ضده وبالتالي لا تجعله يؤدي مهامه في مجلس الشورى على أكمل وجه. - ونأخذ الآن جانبا من تعليق المذكرة التفسيرية على هذا الموضوع: حيث علقت المذكرة التفسيرية أنه يحدث احياناً ان المجالس النيابية قد تترك طلب الإذن ولا ترد عليه، وقد تطول المدة وتضيع معالم الجريمة محل المساءلة لذلك واجه الدستور القطري هذه الحالة مقرراً انه اذا لم يصدر مجلس الشورى قراره في طلب الاذن خلال شهر من مدة معينة من تاريخ وصول الطلب إليه فإن ذلك يعتبر بمثابة اذن، وتستطيع من خلاله النيابة العامة والسلطات المختصة أن تشرع في اتخاذ الاجراءات المطلوبة من قبض وتفتيش وحبس وما إلى ذلك. كما أن المذكرة التفسيرية علقت بأن هذه الحصانة الاجرائية حتى في حالات التلبس فإن من حق المجلس أن يعرف ما يحدث بالنسبة لأي عضو من أعضائه، لذلك أوجب الدستور القطري أنه في حالات التلبس والتي تبيح اتخاذ كافة الاجراءات الجنائية فإنه يجب إخطار مجلس الشورى بما اتخذ من اجراءات في حق العضو الذي ارتكب المخالفة أو الجريمة، واذا لم يكن المجلس منعقدا قإنه يتعين إخطار المجلس عند أول انعقاد لاحق له. وقد يجوز أخذاً بالأحوط أن يخطر رئيس المجلس أو مكتب المجلس بما اتخذ من إجراءات إلى ان يعود المجلس للانعقاد، وعندئذ يجري إخطاره بكل ما اتخذ من إجراءات في حق العضو. واضح من رد المذكرة التفسيرية أن هذه الحصانة هي حصانة ضد الاجراءات الجزائية ولا تمتد إلى الاجراءات المدنية، وان كانت تشمل كافة الاجراءات الجزائية وأيضا واضح من نص المادة أن هذه الحصانة تخلي عن العضو من المسؤولية الجنائية كاملة وذلك عما يرتكبه من أفعال وما ذلك إلا أن هذه الاجراءات الجنائية يجب أخذ الاذن فيها من مجلس الشورى وذلك كإشارة إذن للبدء بها، ومن ثم الاستمرار في اجراءاتها، وما أن يُعطي مجلس الشورى الضوء الأخضر فإنه يعامل عضو مجلس الشورى كأي فرد عادي، ويتم التحقيق معه ويفتش ويقبض عليه ويحبس وتتخذ ضده جميع الاجراءات الجنائية الأخرى. ولكن أيضاً في حالة أن لم يُعطِ المجلس الضوء الأخضر أو الإذن بذلك ؟ فإن هذا الرفض من قبل مجلس الشورى ليس بالضروري ان يعفي العضو من المسؤولية الجنائية، ولكن يعتبر مجرد تأجيل فقط لا غير وذلك في اتخاذ أي اجراءات جنائية ضد العضو إلى أن تنتهي هذه العضوية في مجلس الشورى. - إذا انتقلنا للشق الجنائي فإن هناك ثلاثة احتمالات نوجزها في التالي: 1) الاحتمال الأول: هو ارتكاب عضو مجلس الشورى جريمة بما يسمى (بالجرم المشهود)، وهي التي تفترض ثبوت هذه الجريمة في حق عضو مجلس الشورى، ومن ثم نستطيع أن ننفي عن السلطة التنفيذية شبهة الكيد في عضو مجلس الشورى أو توافر النية في إعاقة هذا النائب عن عمله تحت قبة المجلس. لذا.. وفي هذه الحالة يجوز اتخاذ الاجراءات الجزائية ضد هذا العضو وذلك بغض النظر عن زمان ارتكاب هذه الجريمة المشهودة في غير أدوار الانعقاد أو فيما بينها، ولكن أيضاً يجب أن يُخطر مجلس الشورى بذلك في أول اجتماع له بعد أن يتم اتخاذ هذا الإجراء. 2) الاحتمال الثاني: وهو ارتكاب عضو مجلس الشورى جريمة لا تدخل في وصف الجريمة المشهودة وفي غير أدوار الانعقاد، وأيضاً هنا نستطيع أن ننفي عن السلطة التنفيذية شبهة الكيد في عضو مجلس الشورى أو توافر النية في إعاقة هذا النائب عن عمله تحت قبة المجلس. وهنا أيضاً تُتخذ من الاجراءات الجزائية ضد هذا العضو بشرط أن يتم إخطار مجلس الشورى بالإجراءات ضد العضو في أول اجتماع للمجلس في دور الانعقاد، وذلك لأخذ إذن المجلس في الاستمرار في هذه الاجراءات. 3) الاحتمال الثالث: وهو اتهام عضو مجلس الشورى بجريمة لا ينطبق عليها الجرم المشهود، وهنا نستطيع القول أن هناك شبهة على السلطة التنفيذية بأن القصد من هذا الإجراء هو التأثير على وظيفة عضو مجلس الشورى وذلك لإعاقته وتعطيله عن أداء مهامه الوظيفية في المجلس على أكمل وجه. لذا.. تجد أن الدستور القطري اشترط أن يؤخذ إذن مسبق من مجلس الشورى قبل أن يُتخذ أي اجراء جزائي ضد عضو مجلس الشورى المتهم. ملاحظة للسادة النواب: عن كيفية إعطاء مجلس الشورى الإذن باتخاذ أي إجراء جزائي يتم ذلك عن طريق نصوص اللائحة الداخلية لمجلس الشورى والتي سوف ترى النور قريباً فهي من تفصل ذلك. وهذه اللائحة الداخلية هي التي تحدد كيفية تقديم طلب الإذن؟ وهي التي تحدد كيف ترفع الحصانة عن العضو؟ وهي التي تبيّن ما هي الأوراق التي يجب أن ترفق في القضية المطلوب اتخاذ الإجراءات الجزائية فيها؟ وهي التي تحدد إلى من ترفع هذه الأوراق؟ وهي التي تبيّن اذا ماكان هناك أي عرائض أو مستندات ترفع معها؟ وهي التي تحدد من الذي يحيل هذه الطلبات؟ وهي التي تحدد إلى من تحال هذه الطلبات؟ وهي التي تبيّن كيف تنظر في اللجنة؟ وهي التي تبيّن بأي طريقة تُنظر؟ واللائحة هي التي تحدد هل يتم بحث القضية في المجلس؟ وهي التي تحدد كيفية البحث؟ وغير ذلك من الأمور الدارجة في اختصاص اللائحة الداخلية المنتظرة لمجلس الشورى؟ أخيراً: هذه الحصانة لأعضاء مجلس الشورى من النظام العام، لذلك لا يجوز للعضو أن يتنازل عنها دون موافقة مجلس الشورى. خبـير قانـوني [email protected]