15 سبتمبر 2025

تسجيل

الأزمات لا تزال تهدد الاقتصاد العالمي

07 أكتوبر 2018

قضية ورأي تصاعد الحرب التجارية بين أمريكا والصين «ساعة القيامة» هي ساعة رمزية ابتكرها علماء الذرة عام 1947 لكي يحذروا من خلالها بالمخاطر الجسيمة للتسابق النووي على البشرية. وكلما اشتد هذا السباق قام العلماء بتقديم الساعة عدة ثواني باتجاه الثانية عشرة منتصف الليل وهو الموعد الرمزي للنهاية. وعند تأسيس الساعة عام 1947 كانت تشير إلى سبع دقائق قبل منتصف الليل وكان ذلك خلال أزمة صواريخ كوبا بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. ومنذ تلك الفترة تغيرت عقارب الساعة 20 مرة. وكان أخر تغيير تم في يناير الماضي عندما أصبحت عقارب الساعة على بعد دقيقتين فقط من منتصف الليل، وذلك بعد أن قام العلماء بتقديمها بمقدار 30 ثانية على ضوء المخاوف من احتمال نشوب حرب نووية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. ونحن نؤمن إن الله وحده يعلم متى تقوم الساعة، لكن نستذكر هذه الساعة الرمزية، التي تشير إلى الكوارث التي تحل بالبشرية بفعل الإنسان نفسه، ونحن نقرأ جملة التقارير التي أصدرها صندوق النقد الدولي في مناسبة مرور عشر سنوات على الأزمة العالمية، حيث اتسعت المخاطر التي تهدد البشرية ولم تعد تقتصر على الحروب النووية وحدها. فبعد مرور كل هذه السنوات وبالرغم ممن كافة الإجراءات التصحيحية فقد استنتجت دراسة الصندوق التي شملت 180 بلدا إن الأزمة خلّفت ندوبا تتعدى الآثار الموثقة على اتجاهات النمو العامة. فعلى سبيل المثال، استمر التراجع الحاد في معدلات الخصوبة في كثير من الاقتصاديات- وهو تطور سيشكل عبئا في المستقبل على حجم القوة العاملة في هذه البلدان. وهناك أثر آخر يتمثل في تراجع صافي معدلات الهجرة (الهجرة الداخلة ناقصا الهجرة الخارجة) بعد الأزمة في الاقتصاديات المتقدمة. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن مستوى عدم المساواة في توزيع الدخل قد ارتفع، وخاصة في الاقتصاديات التي مُنيت بخسائر كبيرة على مستوى الناتج والتوظيف بعد الأزمة. وفي بعض الحالات، أدت زيادة عدم المساواة في توزيع الدخل التي أعقبت الأزمة إلى ترسيخ الاتجاهات العامة التي كانت قائمة بالفعل قبل الأزمة ومن المرجح أنها ساهمت في الشعور بالإحباط إزاء الأحزاب السياسية المؤيدة لنظم الحكم وانتشار التوجهات الحمائية. يضاف إلى ذلك تصاعد الحروب التجارية وخاصة بين أكبر اقتصادين في العالم التي تهدد بتصعيد كبير في النزاع التجاري بين البلدين. وهو ما قد يفرض، بدوره، ضغوطاً كبيرة على استثمارات الشركات الكبرى والتجارة والنمو على الصعيد العالمي. وقد ألغت بكين أخيراً محادثات تجارية كانت مقرّرة مع الولايات المتحدة، وأضافت منتجات أميركية بقيمة 60 بليون دولار إلى قائمتها للتعريفات الجمركية على الواردات، رداً على الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة على سلع صينية بقيمة 200 بليون دولار.في الوقت نفسه أطلق صندوق النقد الدولي تحذيرات من أن مستويات الديون العالمية وصلت إلى مستوى أعلى من ارتفاعات عام 2008، وبلغت 182 تريليون دولار- أي بحوالي 26,000 دولار لكل إنسان على كوكب الأرض. وهو أعلى بنسبة 60% مقارنة بالعام 2007، وهو ما اعتبره خبراء اقتصاديون «كارثة» تعكس ملامح أزمة مالية جديدة ستعصف بالاقتصاد العالمي.جميع ما ذكرناه أعلاه لا نكتبه من أجل بث التشاؤم، وفي الحقيقة المؤسسات الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي تتحمل جزءا من مسئولية أوضاع الاقتصاد العالمي المهدد بالأزمات بسبب روشتات التقشف والإصلاح الهيكلي، لكن الغرض هو أن على دولنا مواصلة التنبيه لهذه المخاطر لأنها باتت تدفع جزءا كبيرا من ضريبة هذه الأزمات.