13 سبتمبر 2025

تسجيل

العيد الذبيح

07 أكتوبر 2014

كل عام وأنتم بخير.. ولكن هل أهل غزة بخير؟ هل أهل سوريا بخير؟ هل أهل مصر بخير؟ وهل سيكون أهل اليمن بخير بعد أن يذوب الثلج ويظهر مرج الحوثيين الذين سقطت الدولة اليمنية وجيشها في أحضانهم، والأشقاء والجيران في دول الجزيرة العربية ينظرون ولا يعرفون ماذا يفعلون، فاليمن سقطت في أيدي الحوثي في ليلة وضحاها، والخليجيون أسقط في أيديهم، فشكرا للسياسة التي يفهمونها! في العالم، كل العالم شرقه وغربه، يحتفل البشر بأعيادهم المسيحيون واليهود والمجوس والهندوس والبوذيون عبدة الصنم الكبير، وكل الملل والنحل والهرطقات والإيمانيات، جميعهم يحتفلون بعيدهم، كل على طريقته، إلا نحن في عالمنا العربي، لا نحتفل إلا على طرائق الآخرين، وحسب نصوصهم السياسية، وحسبما تقتضي المصلحة العليا لأعدائنا، ما بين فقر وإذلال، وما بين ركام المساكن والمساجد، وما بين أشلاء الجثث ومناقع الدم، وعلى أصوات المدافع والقذائف وهدير الطائرات والبراميل المتفجرة، وغارات قوات العالم المتحالف ضد داعش التي سمح لها العالم المتحالف بالتضخم والانقضاض على الثورات العربية البائسة. العيد في العالم العربي لم يعد ذلك العيد الخالص بفرحه وطقوسه وشعائره القديمة، فلا نكذب على أنفسنا، لقد تغير كل شيء، ولم يعد للأعياد بهجة، حتى الأطفال أصبحوا يعرفون أسماء وأنواع الأسلحة أكثر مما يعرفون أصناف الحلوى، ثم لا يجد العربي طعما للعيد السعيد، فكل ما هنالك نكهات تقتضيها المناسبة، لقد رأينا وجوه الناس، وتصرفاتهم وتحركاتهم، وحركة السوق وتعاملاته، كان كل شيء عاديا، وعاديا جدا، ويوم العيد لم يعد يشكل فارقا كبيرا عن أي يوم آخر من أيام السنة، سوى شيء واحد هو الوجوم، الناس تخشى من شيء لا تدري ما هو، ولكنه مخيف. لقد اعتاد عالمنا العربي منذ سنوات طويلة على مرور الأعياد وشهر رمضان المبارك من خلال جبهات القتال والحروب والقصف الإسرائيلي على المطارات السورية والمصرية وتدمير قواتهما على أرضها، وقصف النابالم على الجبهات كلها والجبهة الأردنية الأطول امتدادا أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الهزائم والضحايا من الشهداء والقادة، ففي مثل هذا العيد المبارك أعدم الرئيس العراقي صدام حسين في صبيحة العيد، لتهوي قلاع الدول العربية القوية، ولا تزال إسرائيل تعربد وتقصف غزة متى ما تشاء دون أي اهتمام بالعيد أو إعادة القصف من جديد، فليس هناك أمة عربية موحدة ولا أنظمة متوحدة مع شعوبها تحرك جيوشها لحماية الأوطان والمواطنين. العيد ذبيح في عالمنا العربي، لأن الشعب المصري مازال يرزح تحت حكم الاستبداد الذي سامه أصناف الإذلال والاستعباد والإفقار والفساد منذ يوليو 1952 حتى اليوم بفضل حزب العسكر، وعصابات الأولوية الذين يحاصرون أهل غزة لحساب العدو الصهيوني، ويغلقون معبر رفح منذ أول أيام العيد حتى نهاية الأسبوع بكل وقاحة وحقارة، ثم يذهب رئيس وزرائهم إلى الحج ويعود قبل صلاة العيد ليتمم شعائر العبادة للرئيس السيسي ويشاركه حفلة اسمها صلاة عيد الأضحى، في أسخف موقف عاشه المصريون في تاريخهم. العيد ذبيح في سوريا حيث العالم كله ينظر للأطفال والنساء والشيوخ يقتلون بالمئات، من عصابات الإرهاب والمليشيات على الأرض ومن طيران النظام عبر السماء تمطر عليهم براميل متفجرة، ثم تأتي قوات العالم المرعوب من داعش لتحارب أشباحا تذوب بين المواطنين هناك، فتقتل الأبرياء ربما بينهم إرهابي أو عشرة منهم، فيما الإرهاب الكبير والخطير لا يزال يحشد المنظمات والمليشيات إلى جانب جيشه ليبقى على رأس منظومة الحكم العسكري الباطش بلا هوادة، ولم تخطئ طائرة واحدة لتقصف قاعدة عسكرية للنظام أو يقول أحد فلننهي مأساة سوريا بقصف القصر الجمهوري كما فعلو بصدام حسين أو معمر القذافي. العيد سيبقى ذبيحا في عالمنا العربي مادام الأقصى ساحة مستباحة لقطعان الإرهابيين الصهاينة وحاخاماتهم وجنودهم، الذين يقتلون وينكلون بالفلسطينيين الأبرياء، ويصادرون أراضيهم، ويهدمون منازلهم، ويعتقلون شبابهم لسنوات طويلة دون محاكمات، ويتلذذون باستعراض نتائج حرب الإبادة على غزة، ويهددون بالعودة لقصفها إن بقيت حماس ترفع يدها بالنصر والمقاومة، فهم يريدونها مثل بقية القطيع الرئاسي العربي طائعة راكعة. كل عام وأنتم أفضل حالا، وأكثر عزة وكرامة وحرية، كل عام وأنتم أكثر تفاؤلا بمستقبل يختلف عن حاضرنا البائس، فالفرق بين عرب الساحل الغربي وعرب الساحل الشرقي بسيط، فكلهم طيبون، ولكن الحكام هم المشكلة، فالحاكم الذي ينظر ويشعر بالمسؤولية تجاه شعبه، ويأمر بجعل مقدرات وثروات ونفط بلاده لخدمة الشعب ورفاهيته، ليس كمن يقتل بالطائرات وقوات الأمن ويتجسس عليهم وينهب ثرواتهم، ويتركهم فرائس للفقر والخوف والمستقبل المخيف.. والله أكبر.