17 سبتمبر 2025
تسجيلوسط الزحمة الخيالية لم ينتظر قائد الدراجة النارية (البطْبَطَة بالعامية) مني سوى أن أحسده على موقفه فيما نحن عالقون في الزحمة ونعاني هبوط الضغط من كثرة الكوابح.. فينفث صوت البَطْبَطه من حولي وكأنه صاروخ ليجتاز الطريق بيسر وسهولة وأنا أرمقه، شطحت بي احلامي إلى أقرب هارلي دافيدسون لأمتطي مطيته خصوصا وانني حكّمت في شأن قيادتي "للبطبطة" موقف قيادة عائشة رضي الله عنها للجمل بما يحمله هذا الإسقاط من انعكاس على فتوى قيادة المرأة للدابة وما يُمتطى من وسائل مواصلات العصر كملاذ وحيد وسط الزحمة. "كرّم الله وجه أم المؤمينن" وتخيلت تحولا كبيرا من (هَلْ قطر) من السيارات الى البطابط. فسرحت أفكر بالعباءة التي ستكون جيشا من السواد سيرفرف في شوارع الدوحة لأنها ستكون ظاهرة عامة لعدد كبير من الموظفات، ولن أتحدث عن الرجال فأمرهم أسهل إذا تجردوا من "الغتر". ضحكت في نفسي وتحسّرت ب (آه) حتى الملابس التقليدية تعوق حلمنا ب هارلي دافيدسون أو حتى امتطاء (سيكل) وتعوق حلاّ من حلول اختصار الطريق إلا اذا سلمنا أمر العرف لقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) وتدرّعنا بملابس "البطابط" وجعلنا الخوذة حجابنا. لا تستغرب أخي القارئ من تلك المقدمة الساخرة فتلك هي المُضْحكات المُبْكيات، وأكون صادقة معكم إذا قلت أنه حتى حلم الدرّاجات التي تعد أحد الحلول الفردية البسيطة جدا ليس مكانها هنا في قطر ليس بسبب حرارة الجو بل لأسباب اخرى بنيوية، وعجبا ألا يكون في قطر التخطيط، قطر الإنجاز، قطر الأصالة، قطر المعاصرة التي نافست في كل المجالات لتفطن مؤخرا أنها استيقظت من الحلم الخارجي الوردي الجميل على صدمة داخلية حمراء مقلقة،ولتجد أنّ هذا القصر الأسطوري الجميل بُني على بنية تحتية غير صلبة لم تهيء قطر الحبيبة لما تستحقّه أو ما يوازي رؤية قيادتها وما يوازي الشعار الذي وضعته أشغالها "قطر تستحق الأفضل". لن أخوض في حل فردي للبشر وهو مجرد تناول ساخر وسط غياب تنظيم وتخطيط ينظمه إذ إننا سنتحدث عن اكسسورات في عرف قطر خصوصا وإن فشل كثير من مشاريع الطرق الكبرى والجسور أثبتت هول النتائج وصدمة ضياع الأموال دون طائل حتى أصبحنا ننتعم بزحمة من خمس نجوم في كل وقت وكل شارع بل ومن عدة طوابق دون أن نستفيد على الأقل من تجارب دول أخرى سبّاقة إن لم نقل توأمة متكاملة لتخطيط عام لطرق دائرية تمثل "Loops" تدور حول قطر دون عائق وتربط المدن الكبرى ببعضها البعض في امتداد رأسي ايضا، فضلا عن متطلبات الجسور التي بُحّت أصواتنا طوال هذا العقد بالمطالبة بأن تشق البحر في المنطقة الدائحة من "رأس بو عبود" في الكورنيش إلى الأبراج التي تراخت الجهود عن ان تشقها رغم ان قطر في مفارقة عظيمة — يشيب لها الرأس — شقت الفضاء بإطلاق قمر سهيل. حقيقةً.... لا يعد النجاح الخارجي مكتملا ما لم يمثله نجاح مماثل على المستوى الداخلي، نجاح لا تقيسه قطر كإنجازات داخلية بمقدار ما بنته من أبراج شاهقة بتصاميم فريدة او ما رممته من متاحف أو مدن حولتها الى مراكز تراثية أو أسواق شعبية تراثية أو متاحف أو متاجر بهدف السياحة وزيادة عدد المرتادين الذين غصّت بهم قطر دون تخطيط، ولا بمقدار ما تطمح له قطر من مشاريع سياحية قد تكون خاصة أو ما سمّيت خاصة ذات نفع عام حين إن المنفعة العامة في المرافق البنيوية والشريانات الرئيسة تكاد ان تكون متأخّرة أو غائبة أو فاشلة. كما لا يقاس نجاح قطر بتطبيق سطحي لقاعدة "الحاجة امّ الاختراع" فتهب مسرعة لتخترع طرقا عامة مؤقتة ولكنها ملتوية تصنع حسب الحاجة الرياضية وقتها مثل طريق الوكير، بوهامور والصناعية الذي تم رصفه عاجلا وقت "دورة الألعاب العربية" بمسارات تلتوي بك فجأة ليجد الشارع نفسه في بيت احد المواطنين أو في كبدهم أو في منتصف مسجد أو كنيسة. أو أن تكون مشاريعها البنيوية مجرد ردود أفعال لإشكاليات ونوائب تصيبها هذا دون ان يكون حتى رد الفعل على مستوى الحاجة أو الأزمة، بل نتمنى أن تطبق قطر ما تعنيه كلمة "أمّ الاختراع" من مضمون كلمة أمّه الناضجة لا بناته القاصرات. وبصراحة... لم يعد لنا أمام معركة الطرق في قطر التي عطّلت الأعمال ومصالح البلاد والعباد وأمرضت الأجساد وغيّرت النفوس سوى أن نوجّه دعوة إلى المسؤولين المعنيين أن يقوموا بجولة استطلاعية ونرتجي منهم ألا ينطلقوا بهليكوبتر للتطقّس على عادة الرؤساء دائما، وهي وإن كانت مهمة وقت الذروة، إلا اننا نلتمس منهم ان ينطلقوا بسيارتهم يوما ما في مختلف أوقات قطر التي أصبحت ذروة في كل حين... دون أن توسّع لهم دوريات (لخويا) أو تخلي وتمهد لهم الطريق ليقفوا بأمّ اعينهم على التجربة المريرة التي يتكبدها مرتادو الطرق في قطر ليحاسبوا المتسبّبين وليأمروا المتسيّبين في هذا الخذلان التخطيطي العام بإدارة عاجلة للأزمات والطوارئ ليس على مستوى جهود وزارة الداخلية فحسب فهي تبذل جهودا يشهد لها الجميع — وان كان الوضع يريد منها المزيد ايضا — بل على المستوى الأشدّ والأكبر الذي خلق تحديا كبيرا لقطر على المستويين الداخلي والخارجي وهو التخطيط للبنية التحتية بل وايجاد بدائل عاجلة في تدشين طرق مؤقتة مركبة ومصنوعة كتلك التي تستخدم في الدول المتقدمة عند بناء او إصلاح شريانات رئيسة. ربما من المهم كحلّ طارئ أيضا تبني حلول نقلٍ بحرية أخرى في أوقات الذروة بتيسير مواقف مشتركة (Assembly Point) ووسائل نقل مشتركة من أول الكورنيش إلى منطقة الأبراج وقت الذروة، أو حتى توفير خدمة عبّارات أو طرّادات (التاكسي البحري) ليقل الركّاب من المدن الساحلية إلى الأبراج وإليها كما هو معمول به في المدن البحرية في عدد كبير من دول العالم. أما وإننا مقبلون أيضا على مشاريع بنيوية ضخمة خصوصا ان مشروع السكك "الرّيل" قادم بما يعتري تنفيذه من اشكاليات وتحويلات واختناقات مرتقبة، وفي ظل تسارع وتيرة التطوير والبناء فإن قطر تواجه تحديا كبيرا فعدد السكان في ازدياد مطرد بما تتطلبه الفترة الانتقالية من استقدام مزيد من العمالة لتغطّي حجم العمل. والتحدي المحلي الآخر أن المخرجات المهنية المرتقبة من الموظفين قد تعطلت بقدر تأخر أو تخلف الموظف قسرا عن العمل وتعذر وصوله الى مواقع عمله وثم اجتماعاته لتتنحّى من بعدها الطاقة البشرية الواعدة والمنجزات المرتقبة مما يؤثر على مسارات تحقيق رؤية قطر الخمسية قبل 2030 ايضا. وأخيرا... لقد بذلت قطر في بنيتها الغالي والنفيس ولكن ذهبت بعض الجهود سدى وطَعَنَ بعضُ منفذيها ومخططيها ضميرَ قطر و — للأسف — ترنّح البعض الآخر خلف فشل تخطيطي لم يواكب خطّة قطر ورؤيتها بشكل عملي ومهني مخلص. واليوم نأمل من قطر أن تكون كما عودتنا دائما رائدةً في حلّ وإدارة الأزمات، كما نتمنى أن تجري وتيرة وقوة مساعيها المحلية على ما تجري عليه وتيرة مساعيها الدولية، حتى لا تظلّ مشاريع قطر الرئيسة أدوات فردية أو صفقات تجارية أو مجرّد حلول آنية لتشكل أزمات راهنة على مدى عمر قادم وكسرا داخليا لصورة شرفت قطر في الخارج لا نريدها ان تسحب شرخا عليه. Twitter: @medad_alqalam [email protected]