14 سبتمبر 2025
تسجيلمضى رمضان، وتصرمت لياليه الفاضلة وأيامه المباركة، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر، وبعده بدأ الفتور يغزو القلوب، كما بدأ منحنى الإيمان في الهبوط مرة أخرى عند الكثيرين إلا من رحم الله، ولكنه عز وجل دائم العطاء والمنّ، يلاحق عباده بأسباب المغفرة وموجبات الرحمة وفي الحديث: "افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده". فهلا تقبلت أخي المسلم وأختي المسلمة هذه المنحة الإلهية؟ والنفحة الربانية الآنية وهلا — بإخلاص — أكثرنا من الأعمال الصالحة من صدقة وصيام وتلاوة للقرآن وصلة الرحم وإطعام المساكين. والدعاء بخيريِ الدنيا والآخرة، لك ولإخوانك المسلمين، الأحياء منهم والأموات، ولأمر ما وسط آيات الحج جاء الدعاء الجامع: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار" ومن هذه الأعمال الصالحة نشر العلم الشرعي وردُّ المظالم إلى أهلها مع حفظ الجوارح، سيما السمع والبصر واللسان. فمن عجز عن ذلك كله فليكفَّ أذاه وشره عن الآخرين.إلى غير ذلك من أعمال البر وشعب الإيمان فأبواب الخير كثيرة لا تنحصر، ومفهوم العمل الصالح واسع شامل ينتظم كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة،فينبغي لمن وفقه الله، أن يعرف لهذه الأيام فضلها، ويقدر لها قدرها، فيحرص على الاجتهاد فيها، ويحاول أن يتقلل فيها ما أمكن من أشغال الدنيا وصوارفها، فإنما هي ساعات ولحظات ما أسرع انقضاءها وتصرمها، والسعيد من وفق فيها لصالح القول والعمل. والفرص سوانح قلما ترجع إذا فاتت والعمر قصير والقدر غائب وأمر الله غالب.. فهلا شمرنا عن ساعد الجِد في هذه الأيام، واستعنا بالله على الطاعة فيها، فهو المُوفق والمسهل والمساعد في كل وقت وآن، ولقد اختار الله تعالى من الأيام والليالي أياما وليالي جعلها مواسم خير، وأيام عبادة، وأوقات قربات، وهي بين أيام السنة، كأوقات الضحى من النهار، قليلة عزيزة وبين لياليها كالساعات الأولى عند انبلاج الفجر، ما تلبث أن تذهب سريعا، والرشيد السعيد من تعرض لها، ونهل من خيرها، ومن هذه المواسم النيرات، والنفحات المباركات، أيام العشر الأول من ذي الحجة الحرام، فقد آثرها الله على ما سواها، فرفع من شأنها واجتباها، وجعل ثواب العمل فيها أعلى من ثوابه فيما دونها، علاوة على ما خصها الله تعالى به من أعمال فريضة الحج التي لا تكون في غيرها. وإن إدراك هذه العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عباده، لأنه يدرك موسماً من مواسم الطاعة التي تكون عوناً للمسلم — بتوفيق الله — على تحصيل الثواب واغتنام الأجر، فعشر ذي الحجة "هذه هي الأيامُ العشر التي أقسم اللّه بلياليها في كتابه بقوله: "وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، بل ورد أنها هي العشر التي أتمها الله — تعالى — لموسى — عليه السلام —، والتي جاء ذكرها في قوله — تعالى —: "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ"، وقال ابن كثير: (وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة والعشر عشر ذي الحجة... فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى — عليه السلام —، وفيه أكمل الله الدين لمحمد — صلى الله عليه وسلم — كما قال — تعالى —: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً".