16 سبتمبر 2025
تسجيللم يعد هناك محل للشك، أن موقع القانون التجاري يقع ضمن فروع القانون الخاص، لكنه لا يعني استقلالية القانون التجاري بشكل تام، بل خلاف ذلك؛ لأن القانون التجاري يتلاقى مع الفروع الأخرى كالقانون المدني، أو قانون العمل، وأبعد من ذلك؛ حيث إنه يرتبط مع القسم الآخر من القانون، مثل القانون الدستوري، والقانون الجنائي. إن القوانين مهما انقسمت وتفرعت فإنها تظل متصلة؛ لكون الهدف مشتركاً بينها، فإن الفروع مهما كثرت فمنبعها شجرة واحدة، وإذا كثرت الأقسام فما هي إلا أقسام لهيكل واحد، وعليه يجب ألا تتنافر وتتعارض هذه الأقسام؛ بل يجب أن تجتمع وتتكاتف وتتعاضد حتى تكون كالبنيان المرصوص والخط المرصوف، فإذا توافقت القوانين، تحققت العدالة، وعم الأمن والسلام، مما يجعل العامة يندفعون إلى الإنتاج فتُثمر الأموال وتكثر الثروات، وبالتالي تقوى الاقتصادات. فإن حدث ذلك فما هو إلا نتيجة ترابط وتواصل فروع القوانين مع بعضها البعض وبشكل صحيح. يرتبط القانون التجاري بالقوانين الأخرى، ويستند هذا الارتباط على مدى ظهور وغياب طابع السيادة والسلطة، ينتج عن ذلك قسمان من العلاقات، هما: القانون التجاري وعلاقته بالقانون العام، القانون التجاري وعلاقته بالقانون الخاص. القانون التجاري وعلاقته بالقانون العام، ينتج هذا القسم عن تدخل سيادة الدولة، سواء عن طريق وضع الإطار العام للتجارة، أو عن تحديد العلاقات الدولية أو الإقليمية، أو حماية المجتمع من الجرائم التجارية. فيتفرع من هذا العلاقة أربع علاقات، سنتناول في هذا المقال العلاقة الأولى ونرجئ الحديث عن العلاقات الأخرى في مقالات تأتي لاحقاً، أولى تلك العلاقات تأتي على النحو التالي: علاقة القانون التجاري بالدستور: يعرف الفقه القانون الدستوري: بأنه مجموعة من المبادئ والقواعد التي ترسم أساس الدولة، وتبين آلية نظام الحكم وتنظم السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلاقتها مع بعضها البعض، وتضع أسسا ما لفرد من حقوق وحريات. وبناء عليه، يمثل القانون الدستوري السقف الذي يظل جميع القوانين، فلا يمكن للقوانين الأخرى أن تتعدى هذا السقف، ومن المعلوم أن الدستور يتمركز في المرتبة الأول بين أنواع التشريعات، حيث يقع في قمة الهرم التشريعي. لتوضيح ما سبق، نجد أن المشرع قد وضع سقفًا وحدودًا للنشاط الاقتصادي؛ بل بين أهداف الأخير المتمثلة في التنمية على جميع الأصعدة، وتعمم الرخاء والسلام، ودفع عجلة الاقتصاد من خلال توفير فرص عمل، ومن هذا المنطلق، نجد أن العلاقة وثيقة بين القانونين، فالدستور يكفل النشاط الاقتصادي، وهو بذلك يسد حاجات المجتمع، فيتدخل القانون التجاري هنا وينظم جزءاً من آلية تحقق الحصول على هذه الحاجات. خلاصة القول، إن القانون الدستوري يقوم بوضع حجر الأساس لتناول التجارة، فأفرد لها نصوصا يبين بها حرية النشاط الاقتصادي ويكفل هذه الحرية، والتجارة جزء من هذا النشاط. ولقد جاءت المادة (28) من الدستور لتنص على أن: «تكفل الدولة حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية والتعاون المتوازن بين النشاط العام والخاص، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة الإنتاج، وتحقيق الرخاء للمواطنين، ورفع مستوى معيشتهم وتوفير فرص العمل لهم، وفقًا لأحكام القانون».