28 أكتوبر 2025

تسجيل

من أجل تنمية أفضل لمواهب الإبداع الطفولي

07 سبتمبر 2016

تحدثتُ في مقال الأسبوع الماضي عن التقصير الكبير في الاهتمام بالإبداع الطفولي على مستوى الأسر والمؤسسات الأهلية، والجهات الرسمية العربية، ووصفتُ العناية بهذا الجانب في عالمنا العربي بالبضاعة النادرة رغم أهميتها التنموية على المستويات الوطنية. وحتى يؤتي هذا العمل ثماره اليانعة لابد أن يكون جزءا أساسيا في العملية التربوية العربية، ويرتكز على أسس منهجية، ويستند إلى أرضية صلبة، وقواعد علمية متينة، بعيدا عن الارتجال أو الانتقائية، ولعل ما ينبغي الاسترشاد به في هذا المجال ما يلي: ـ الموهبة والإبداع منحة من الله، وكل ميسر لمواهب نظرية أو عملية، وفقا لذلك، كالصوت الجميل والأذن الموسيقية والكتابة الأدبية كالقصة والشعر والرسم والقدرة المتميزة على تعلّم اللغات وغيرها. ـ مهمة الجهات ذات العلاقة بدءا من الأسرة ومرورا بالمدرسة والجهات الإبداعية والثقافية والعلمية الأخرى هي القدرة على تحديد المواهب، والكشف عنها والبدء برعايتها وصقلها، وكلما كانت السن مبكرة كانت القدرة على رعاية هذه المواهب واستثمارها أكبر وأفضل. مع الإشارة إلى أن تنمية المواهب عملية لا تتوقف على مدار العمر، وإن كانت في البدايات أكبر وأهم للوصول إلى مراحل نضج متقدمة.ـ الإبداع لا يعرف سنا معينة، فقد تظهر علاماته منذ الصغر، وبذلك يكون بحكم هذه الموهبة أكثر تميزا بين من هم في عمره، بل ومن هم أكبر منه عمرا، ومعروف أن الصحابي الجليل أسامة بن زيد كان قائدا لجيش فيه كبار الصحابة ممن يكبرونه مكانة في مجالات أخرى وسنا، رغم حداثة عمره وذلك بفضل مواهبه ومهاراته القيادية المتميزة. ـ رعاية المواهب مرحلة لاحقة للكشف عنها وتشتمل على جملة أمور من أهمها التشجيع والحفز المادي والمعنوي، والتدريب النظري والعملي لصقلها وتطويرها وتنميتها، ثم إفساح المجال لها من أجل أخذ دورها في المشاركة المجتمعية، والاعتراف بقدراتها. وعدم الرعاية يؤدي إلى خسارة القيمة التنموية المضافة لأصحاب المواهب بصورة كاملة أو جزئية، لأنه يؤدي إلى وأدها أو ضمورها، أو تأخر ظهورها أو عدم استثمارها بشكل صحيح وكامل.ـ من الأمور المهمة على مستوى التسميات والمصطلحات أن يطلق على الموهوبين اسم المبدعين الواعدين، أو مبدعي المستقبل بدلا من المبدعين الصغار، لأن في الأولى استشرافا لمستقبلهم المليء بالتميز المتوقع، كأن نقول الشاعر الواعد أو إعلامي المستقبل وهكذا.ـ الفقر والكوارث والحروب والأوضاع الاستثنائية، قد تعطي دافعية أكبر للإبداع والتميز، وعلى ذلك شهدنا ظهور مبدعين واعدين في ظل الأزمة السورية، وقبلها في ظل الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وحتى في ظل الحصار المتواصل على قطاع غزة. وذلك لأنه يجتمع إلى جانب الموهبة التحدي والدافعية لمواجهة الأوضاع الصعبة، ومعروف أن كثيرا من العظماء والعلماء والموهوبين ولدوا وترعرعوا في بيئات ذات طبيعة صعبة.هذه بعض الملاحظات المهمة للراغبين بتنمية المواهب الإبداعية عن الأطفال والناشئة واستثمار قدراتها الواعدة على أفضل وجه، مع ضرورة الحذر من خطأ مهم يتمثل بتضخيم مواهب الأطفال أحيانا، سواء أكانت مواهب إبداعية حقيقية أو غير حقيقية (إبداع عادي)، ويحصل ذلك نتيجة أمرين، إما سوء تقدير هذه القدرات من قبل المختصين، أو تسليط أضواء الإعلام عليها بصورة مبالغ فيها توصل هذه المواهب وأصحابها من الاعتداد بالنفس إلى درجة الغرور المضرّ تربويا، بحيث تتضخم الأنا النرجسية لدى الطفل، التي يتعالى فيها على من حوله من أقرانه، أو لا تتاح بسببها له فرصة تطوير موهبته وصقلها بالشكل المطلوب.