12 سبتمبر 2025

تسجيل

المعلم الصالح

07 سبتمبر 2015

حدثتني إحدى الصديقات عن تجربة خاضها طيب الذكر الدكتور محمد رشيد وزير التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية حينما كلف بالتدريس بالمرحلة الابتدائية طلب من تلاميذه قراءة فقرة من الكتاب وحينما جاء الدور على احد التلاميذ فإذا بالجميع يقولون: "استاذ هذا ما يعرف ما يعرف يقرا" فاحمر وجه رفيقهم وتدلی راسه خجلا وربما تصبب عرقاً،،، لم يغادر المعلم د. رشيد حجرة الدرس وكأن شيئاً لم يكن بل حمله هما أقلق راحته وما كان صباح اليوم الدراسي الثاني إلا وقد نسج خطة تربوية متكاملة الأركان وبعزيمة المعلم التربوي والرجل الصالح الذي قيل عنه "كاد المعلم ان يكون رسولا"... بحث عن سيرة التلميذ ونقب في ملفه لعل علته في اختلال ميزان الاسرة ووجد انها اسرة ميسورة الحال متماسكة لا شقوق فيها اذن علة هذا التلميذ قد تكون من معلم متسلط قهره او رفقاء كراسي الدرس قتلوا ثقته في نفسه او.. او.. بحث عنه بين الصفوف وفي خلسة من زملائه منحه جملة عصية قرأها ورددها له مثنی وثلاث وامعانا في ترسيخها شرح له معناها * وحينما تأكد من قدرة تلميذه وتمكنه لفظا ومعنی... دخل المعلم الصالح الصف وألقی الجملة العصية وطلب من تلامذته الاذكياء تكرارها ففشل الجميع وكان تلميذه المستهدف يرفع اصبعه وسريعا ينزله مترددا من قدراته وغير واثق من نفسه وحينما فشل الاذكياء والتلاميذ الذين يسيطرون عادة علی الحصص في الاثناء طلب د. رشيد من تلميذه قراءة الجملة بل تكرارها وقد كان... فصفق له المعلم الصالح وانداح الصف تصفيقا وهكذا تبارى بعض التلاميذ وقدموه في الفسحة لبعضهم بعضا وللصفوف الاكبر وفي الطابور والاذاعة المدرسية و..و.. وهكذا حتی خلع هذا التلميذ اثواب الخجل والانكفاءة علی ذاته ولمع نجمه وحقق نجاحات لم تقف في حدود مدرسته حيث نبغ في مساراته التعليمية وبرز كعلم ولمست اسرته المتغيرات التي خلخلت شخصية ابنهم وحركته من بقعة الانزواء والخجل إلی الاضواء واعتقد معارفهم ان علاجه تم علی ايادي الاطباء ولكن والده الذي علم بجهد "د. رشيد " المعلم والوزير السابق اثنی عليه وعقد صداقة معه واسرة المدرسة.... وتخرج الطالب بتقدير عال جدا في الثانوية ليدلف لكلية جامعية قسم رياضيات ويتخرج بامتياز لتتلقفه احدی الجامعات العالمية المرموقة ليحصد درجات في الدراسات العليا وهكذا استمرت نجاحاته وهو اليوم يتبوأ مقاما رفيعا * إنها قصة حقيقية تشابهها كثير من قصص النجاح او فلنقل احدى العلامات الفارغة بين ضياع ودفن مواهب وبذور ما زالت علی كراسي الدرس لأن المعلم او المعلمة اكتفی بسرد وشرح ما بين دفتي الكتاب دون ان يحرك مواهبه وقدراته لصالح نفض الغبار عن أمثال هذا التلميذ النابغة الذي كاد ان يكون منسيا خاملا * هذه التجربة الجميلة نحن بمجلس امناء مدارس موزة بنت محمد آلينا على انفسنا تبنيها بين معلمات المدرسة بأن كل معلمة ترصد الحالات الشبيهة وتقدم افكارا لحضها على الاجتهاد وان يتابع مجلس الامناء وادارة المدرسة والاختصاصيات الاجتماعيات وبالتعاون والاسرة النجاحات التي يتم احرازها... وليس بالضرورة ان نطبق الطريقة بحذافيرها بل هي تجربة قابلة للتطبيق بطرق وآليات متنوعة تعيد للمعلم مكانته كمساهم حقيقي في تنمية القدرات الشخصية لتلاميذه واكتشاف مواهبهم الدفينة ليتحول من ملقن لمعلم صالح يفخر بإنجازاته كما نفخر نحن اليوم ونترحم على طيب الذكر المعلم د. الرشيد والذي تسلم وزارة التربية والتعليم وكان قبلها معلما صالحا * إن تراثنا العربي والاسلامي غني بكثير من التجارب والخبرات الانسانية الناجحة ولكن ومع الاسف الشديد دوما ما نلجأ لاقتباس التجارب الغربية ونسلط الضوء حولها متجاهلين محيطنا الخليجي والعربي والاسلامي، إنها دعوة للتباري والتنافس لأجل مستقبل واعد لجيل الغد. همسة: من منكم مؤهل لخوض هذه التجربة لصناعة إنسان ناجح؟