14 سبتمبر 2025

تسجيل

نادلة المقهى

07 سبتمبر 2014

بين أنغام الأغاني والموسيقى وأصوات المرتادين، تسير النادلة في أحد مقاهي فيينا، تنثر أحاديث القهوة في الأكواب الكامدة، صفحات القهوة كالمرآة تعكس وجوه المرتادين، ما بين مبتسم وحزين وآخر دون أي تعبير، يُقلّب إعلانا ملونا ملقيا على طاولته لقهوة ما جديدة، أو يعبث في هاتفه المحمول لدقائق طويلة.بطلباتهم تعمل تلك النادلة وتتمايل يدها عند كل طلب وأمام كل طاولة لتقديم الأكواب الساخنة، تصطدم رائحة البن ببعضها البعض، ومع كل رشفة هناك حكاية ما تُحكى ولكن ليست على الملأ، إنما في الصدور متغلغلة ومتشابكة، صوتها مرتفع كصوت تلك المرأة المحبوسة في الأسطوانة الموسيقية تغني ذات الأغنية وبذات اللحن كل يوم في المقهى، وقد أوصدت تلك الحكايات وراءها الأبواب خشية أن يعلم عنها أحد!نادلة المقهى تمر على أبواب الحكايات في كل لحظة حالما تضع أكواب المرتادين، يسرق أذنيها قليل من الأحاديث التي تدور على الطاولات الهامدة فتستقر في ذاكرتها، لتستعيدها وقتما شاءت، فتُرتب أحاديثهم في الذاكرة التي تحملها كترتيبها للجرائد على مناضد المقهى.رجل يقبع مع قهوته في نهاية المقهى إلى جانب المنظر الذي يطل على الخارج، بالكاد ينظر إلى أعلى، فرأسه مُسدل إلى العقود التي يبرمها، يتراقص قلمه على إيقاع الأغاني التي تصدح في المكان، بينما هو يُحرك يديه للتوقيع، بياض شعره أشبه بالقطن وقلبه بلا مشاعر للبشر، إنما هو جُبل على الخفقان لأمواله فقط فآثرها على حياته وسعادته.امرأة تجلس هناك وبين يديها مرآة مخدوشة من منتصفها بخط متعرّج، فتُشاهد بها نصفها الجميل والنصف الآخر الغامض، تعكس بتلك المرآة نفسها وروحها، ترى غرورها بوضوح وفي بعض الأحيان تنبلج ملامح تواضعها، في ذلك الخط المتعرج فاصل نعيشه في حياتنا اليومية، فنخزن في أرواحنا الخير والشر، والحب والبغض، السعادة والتعاسة، العدالة والظلم! أحدنا يسير بحذر كابحاً جماح الجانب المظلم في نفسه فيتخطى ذلك الخط المتعرج، والآخر لم يستطع مقاومة الشر الذي بداخله فتعثر وعلقت رجلاه ولم يعد بعد، لأنه وقع في وحل الليل المُدْلَهِمّ.غائبة تلك الطَوِيَّة حينما يُسيطر على صاحبها الافْتِئَات والخديعة، فلسانه جُبل على قلب الحقائق ولعق الجهالة، دون الاكتراث بما قد يرسمه القدر عليه يوماً من أعلى تلك السماء، مجرور بالكسرة ذلك الضمير عندما يرغب في تدمير علاقة ناجحة أو تبرير فعلة مشينة أو النطق ببهتان عظيم! يجلس أحد الغرباء على طاولة ما في أحد أركان ذلك المقهى وهو يكتب هذه الكلمات على محرم صغير، تنظر إليه النادلة بابتسامة وهي تُقدّم له القهوة، فلقد وقعت عينها على تلك السطور...تتعالى الضحكات من بعض المرتادين ...فتفوح منهم رائحة القهوة والسجائر التي يتجرعونها ... تختلط بها حكايا أخرى قد سمعها جميع من في المقهى ...من علو أصواتهم ... وعدم اكتراثهم ربما بما يواجهون ويملكون من كلام ... فلم تعد أفئدتهم توصد الأبواب من وراء أسرارهم التي لم تعد الآن من ضمن قائمة الأسرار! على تلك الطاولات في أحد مقاهي فيينا تدور الحياة والحكايات المختلفة والنفوس اللبكة منذ بداية الجلوس وارتشاف القهوة، حتى يحين دفع الفواتير، والنادلة تعمل لحين لمعان النجوم وحلول الليل دونما تعبير ... مُجبرة على الابتسامة في وجوه المرتادين بالرغم من عبوس البعض في وجهها! لديهم طرق متعددة للتعبير، أما هي فقد جُبلت على الصمت والمجاملة وانتظار قوائم الطلبات دونما همس آخر!