20 سبتمبر 2025
تسجيلفي العمرة التي أكرمني الله بأدائها نهاية شهر رمضان المبارك بصحبة أسرتي كان لديّ حرص أن أزور مع أولادي الثلاثة الموزعين بين المراحل الإعدادية والجامعية ما أمكنني من المعالم التاريخية الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة نظرا لما لهذه الزيارات من فوائد عظيمة وبخاصة لدى النشء والشباب. الاطلاع على هذه المعالم أغلبه تمّ من خلال زيارات ميدانية مباشرة لها، وبعضها عبر زيارة بعض المتاحف المتوفرة هناك على محدوديتها وتواضع ما هو متوفر فيها، وفي هذه الزيارات الطيبة تتوقف - على سبيل المثال لا الحصر - عند غار حراء الذي شهد ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزول مفتتح آي القرآن الكريم لتستشعر الحالة الوجدانية للحبيب المصطفى الذي حببت إليه الخلوة آنذاك، فكان يتعبد الله فيه لأيام وليال متصلة ويتفكر فيها في بديع خلق الله في لحظات من الصفاء والسمو الروحي. وتعيش قرب غار ثور المحطة المهمة في رحلة الهجرة بكل ما اكتنفها من صعوبات وعقبات وتخطيط محكم متأملا عناية السماء التي حفظت أطهر الخلق مع عدم التخلي عن الأخذ بالأسباب وهو يسعى من خلال هذه الرحلة لإرساء دعائم الدولة في يثرب التي صنعت أعظم حضارة إنسانية عرفتها البشرية. أهمية هذه الزيارات تتمثل في تلمس الجوانب الجغرافية والأبعاد المكانية للسيرة النبوية المطهرة بمراحلها المختلفة، فليس الرائي كمن سمع كما يقول المثل العربي، ولا شك أن الاقتراب من جغرافية هذه الأمكنة التي وقعت فيها أحداث التاريخ الخاص بالسيرة الخاصة برسولنا الكريم وأصحابه الكرام مهمّ لأكثر من سبب: - التعرف عن كثب على المواقع والمشاهد الخاصة بأحداث السيرة المختلفة بكل تفاصيلها المكانية والمكونات التي تشتمل عليها والبيئة المحيطة بها.. في حين أن جلّ كتب السيرة تحفل بالجوانب التاريخية أكثر من احتفالها واحتفائها بالجوانب الجغرافية والديمغرافية. - ملاحظة التطور العمراني الذي طرأ على المواقع والمعالم عبر الحقب الزمنية المتلاحقة بكل ما شهدته من توسعات ( في المتحف الإسلامي بالمدينة المنورة هناك مجسمات لتطور المسجد النبوي كما بناه نبينا الكريم بحجمه الطبيعي، ثم ما ألحق به من حجرات لزوجات الرسول أمهات المؤمنين.. إلى التجديدات الراهنة بما فيها البناء العثماني الذي لا يزال منظورا إلى الآن ). - استشعار حجم معاناة ومكابدة الرسول وصحابته الأكارم في تبليغ الدين للأمة والعالمين، ونشر الدعوة في الأصقاع والأمصار، وبخاصة مع صعوبة وسائل المواصلات وأدوات الاتصال التي لا تقارن بعالم اليوم بكل ما فيه من تطور وتسهيلات، وإنزالهم المكانة التي يستحقونها في وجدان الأمة وضميرها. - الزيارة الميدانية لهذه المواقع أو الاطلاع على مجسماتها وأشكالها التوضيحية من شأنه أن يزيد من حجم المعرفة بوقائع سيرة نبينا الكريم، ويزيد بالتالي من حب الناشئة والشباب لدينهم وقائد دعوتهم والرعيل الأول ممن حمل معه همّ الدين، واعتزازهم بشريعتهم الخاتمة، وبصمات التطور الحضاري التي أحدثتها في زمن قياسي. إن الحديث عن هذا الجانب يطرح جملة من جوانب القصور في العناية والاهتمام به ومن أهمها: - ندرة تنظيم الزيارات الخاصة بهذه الأماكن وبخاصة للأطفال والناشئة، على أن تكون مصحوبة ببرامج تحفيزية ومسابقات، وأن تسبق بقراءة لأحد كتب السيرة، ويقوم على أمرها دليل سياحي ذو مواصفات خاصة. - ندرة إنتاج البرامج التليفزيونية والأفلام والعروض التقديمية ووسائل الإيضاح والأقراص الممغنطة.. والتي قد تؤدي دورا بديلا أو مكملا للزيارات الميدانية، ذلك أن كثيرا من الناس لا تتاح لهم زيارة تلك البقاع الطاهرة وبخاصة الأطفال، ونقترح أن تعمم مع المواد المصاحبة لتدريس مادة التربية الإسلامية والتاريخ وأن تضاف للمواقع الإلكترونية المهتمة بالناشئة والشباب لتعميم الفائدة. - قلة تنظيم المعارض المتعلقة بهذا الجانب سواء الثابتة أو المتنقلة التي تستخدم الصور الفوتوغرافية المكبّرة والمجسمات والأفلام والمطويات والنشرات.. وهنا لا بد من الإشادة بمعارض مركز المدينة المنورة للدراسات والبحوث الذي أقام عددا منها ربما كان آخرها في دولة الإمارات العربية المتحدة. - ضعف الإفادة من التقنيات الحديثة ومنها تقنية ( جوجل إيرث) نظرا لأهميتها في الشرح والتوضيح، وهنا أنوه أيضا مرة أخرى بجهود المتحف الإسلامي للمدينة المنورة الذي زاوج بين المجسمات التوضيحية وهذه التقنية للتعريف بغزوة الخندق والتكنيك العسكري الذي استخدمه فيها، كما لا بد من التنويه والإشادة بتجربة البرنامج الجماهيري الرمضاني (البراحة) التابع لقطر الخيرية الذي اعتمد هذه التقنية الشهر الماضي أيضا لإنجاز فيلم توثيقي عن سيرة ومسيرة عدد من الأنبياء في عمل متميز لم يستغرق سوى بضع دقائق، وقبلها في رمضان 1432هـ للتعريف بالسيرة بعنوان (السيرة النبوية المصورة). الموضوع واسع وذو شجون ولعلنا نعود إليه بإذن الله مرة أخرى لمزيد من النقاش والإثراء.