22 سبتمبر 2025

تسجيل

هل يحق للمريض التصرف في ماله قبل موته؟

07 أغسطس 2023

يحق لكل شخص تام الأهلية القانونية ولا يعاني من أي عارض من عوارضها التصرف في أمواله كيفما شاء، وله كامل الحرية في الالتزام بالواجبات واكتساب الحقوق، لكن يحدث أن يعاني شخص من مرض تم تشخيصه من قبل الأطباء على أنه من الأمراض المستعصية التي تكون في الغالب احتمالية الوفاة بسببها أكثر من احتمال النجاة، لذلك فإن القانون يمنع الشخص الذي يعاني من مرض الموت أن يتصرف في أملاكه على سبيل التبرع، وذلك حماية لذوي حقوق هذا الشخص، لأن المريض غالبا يعلم أنه لن يعيش فترة طويلة فيقدم على نقل ملكية أمواله للغير في سبيل توزيعها قبل وفاته، وحرمان ورثته المحتملين منها، وهو أمر لا يجوز شرعا وقانونا. إن المقصود بمرض الموت هو ذلك المرض شديد الخطورة المتعارف على أنه يتسبب في الوفاة مباشرة مثل مرض السرطان إذا كان في حالاته المتقدمة جدا التي لا يرجى منها العيش، أو مرض بحسب تشخيص الأطباء يحتمل بنسبة مرتفعة أن ينهي حياة صاحبه، وفي هذه الحالة ليس من الضروري أن يكون المرض متعارفا على أنه يسبب الوفاة، بل يكفي أن يقدر الطبيب حالة المريض بأن احتمالية عدم الوفاة ضعيفة، وفي كلتا الحالتين لا يكفي التشخيص الطبي وحده أو اشتهار المرض بكونه مرض موت، بل يجب أن تظهر على المريض مجموعة من المؤشرات التي تؤكد سوء حالته الصحية، وأهمها أن يظهر عليه العجز والهلاك وعدم القدرة على قضاء الحوائج المعتادة في الحياة اليومية، مثل عدم القدرة على المشي، الرغبة في الاسترخاء وفقدان شغف ممارسة الأنشطة وغيرها، ولا يمكن اعتبار الشخص في مرض الموت في الوقت الذي يستطيع القيام بجميع الأنشطة اليومية من عمل ورياضة و سفر. ومعايير اعتبار المرض أنه مرض موت تختلف من مكان لآخر وحسب الظروف الزمنية والصحية لكل مجتمع، إذ على سبيل المثال في السنوات السابقة كان مرض فقدان المناعة المكتسبة من أمراض الموت في حين أصبحت الحالات الأولية للمرض تعتبر حالة مرضية عادية يمكن علاجها، وفي الأسابيع الأولى من ظهور وباء كورونا كان هنالك شبه إجماع دولي على أنه مرض موت، لكنه في الفترة الراهنة لا يمكن اعتباره كذلك، ويحدث أن يصاب شخصان بنفس المرض ويعتبر مرض موت بالنسبة لأحدهما ومرضا يمكن علاجه بالنسبة للآخر، مثل أن يصاب شخص بلدغة نحلة في دولة قطر ففي هذه الحالة لا يتطلب الأمر سوى إسعافات أولية بسيطة، لكن إذا تعرض شخص آخر أثناء زيارته لإحدى دول جنوب أفريقيا إلى لدغة النحل فإن وفاته محتملة لا محالة، وبالتالي أي تصرف يجريه في أمواله أثناء فترة العلاج يعتبر تصرف المريض مرض الموت. أما بالنسبة لحكم القانون في التصرفات الصادرة عن المريض مرض الموت في أمواله، فقد نظمت ذلك المادة 1014 من القانون المدني، بحيث اعتبرت أن أي شخص قام بتصرف في ماله بنية التبرع كأنما ترك وصية بذلك ولم يتصرف فيه فعلا، بمعنى إذا أقدم مريض الموت قبل وفاته مثلا على إعطاء أحد عقاراته لشخص معين على سبيل الهبة، فإن حكم هذا التصرف ليس اعتباره هبة فعلا، بل مجرد وصية تطبق بشأنها أحكام الوصية المقررة شرعا. والملاحظ أن المشرع لم يتحدث عن التصرفات التبرعية فقط، بل أكد على التصرفات المقصود منها التبرع، بمعنى أن مريض الموت قد يلجأ إلى التبرع بأمواله قبل وفاته لكن تحت غطاء البيع أو غيره من التصرفات البدلية، وذلك بشكل صوري حتى يستطيع توزيع الأموال دون قيد، لذلك فإن المشرع سمح للورثة بإبطال تصرفات المريض مرض الموت حتى ولو كان بيعا أو مقايضة أو غير ذلك بشرط تقديم الإثباتات الكافية على أن مورثهم كان مريضا مرض الموت، وأن التصرف الذي تم القيام به هو تصرف صوري أدى إلى الإضرار بمصالحهم.