11 سبتمبر 2025

تسجيل

(صورني مع فوفو)

07 أغسطس 2022

بدأ ابنه ذو التسعة اعوام في القفز "والتنطط" من هول المفاجأة والفرح وهو يشير بإصبعه ويقول لأبيه "يبه يبه فوفو فوفو"، وبما أن الاب هو بوراشد بطلنا المحبوب والذي هو الآن "يتمختر" في أواخر الخمسين من العمر، فهو لم يعتد سماع مثل هذه الاسماء بين أبناء جيله، فلذلك لم يستوعب ماذا دها ابنه الهادئ وجعله يكاد يطير فرحا ويصرخ "من قمة راسه (كناية عن رفع الصوت)" بكلمات مبهمة بالنسبة لبوراشد، "فيبه يبه" تعني يا أبتي ولكن باللهجة المحلية وهي مفهومة لبوراشد ولكن الذي لم يفهمه هو "فوفو فوفو" فهل ابنه فقد القدرة على النطق ام انه رأى "سكني (مصطلح شعبي تعني الجني وجمعها اسكون)" ام ماذا حدث؟. التفت الاب الحنون لابنه واخذ بتهدئته قائلا "اسم الله عليك, شفيك عسى ماشر"، فرد الابن "يبه فوفو هناك هناك شوفه شوفه"، نظر بوراشد الى الجهة التي يشير اليها ابنه فإذا جماعة من الناس قد التفت حول رجل يبدو انه في أوائل الثلاثينات من العمر، يرتدي لباسا غربيا بالنسبة لبوراشد، فبنطال "فوفو" يكاد ان ينتصل ويقع الى ركبتيه، وقد علق بعض السلاسل في رقبته ومعصميه وصبغ شعره بلون غريب ووضع مساحيق التجميل التي تبرز وجهه بشكل لافت. قال الاب لأبنه "منهو هاذيه فوفو! (اسلوب تعجب واستغراب وقد يأتي كناية عن التحقير والتقليل)"، رد الابن "ايه يبه هذا فوفو مشهور كله يطلع في السناب يقلد وينكت ويضحك، تكفى يبه (أي ارجوك يا ابتي) ابي اصور معاه". لو يستوعب بوراشد ما يحدث امامه من اقبال هذا الجمع الغفير وتكالبهم حول هذا "الفوفو"، وفي ثواني قليلة اخذ بوراشد في محاولة التحليل والمعالجة والتفسير والتسويغ لأسباب كل هذه الفوضى التي أحدثها هذا "الفوفو" عندما قرر ان يتمشى في مركز التسوق، ولكنه عجز عن الوصول الى ما يبرر كل ذلك، فحسب ما يرى امامه فإن "فوفو" لا يمكن ان يكون عالم دين نفع بعلمه المسلمين في شرق الأرض وغربها، وليس عالما أحدثت اكتشافاته او ابتكاراته ثورة علمية في تحسين معيشة البشر، ولا هو طبيبا او صيدلانيا اكتشف دواء شافيا لمرض فتاك، او ذا علم او عمل نفع الله به البشرية، بل هو مجرد اضحوكة بحسب معايير بوراشد يفعل أي شيء يضمن له جمع عدد اكبر من المشاهدات ومن ثم جني الكثير من الأموال. توقف بوراشد مصعوقا للحظات، فهو يرى امام ناظريه جيلا كاملا يتم غسل عقله بطريقة بسيطة وخبيثة ومتوفرة في كل مكان وفي أي وقت، بطريقة سريعة التأثير وطويلة الأثر ونتائجها سهلة الانتشار ومجربة ومضمونة. وأمام إلحاح الابن توجه بوراشد الى "فوفو" والذي كان الوصول اليه في غاية الصعوبة والعسر بسبب تجمع المحبين والمعجبين حوله، واستأذن الأستاذ الكبير "فوفو" في أخذ صورة مع ابنه لتبقى ذكرى خالدة في ذاكرة الابن المدلل، وقرر بوراشد من يومها ان يغير اسمه الى "بوبو" حتى يتماشى مع العصر الذي يعيش فيه. وختاما أقول: للأسف أصبحت ظاهرة "الفوفو" ان جاز لي تسميتها كذلك هي الغالبة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحوا هم القدوة والمثل الأعلى للشباب من الجنسين، ولعل اللوم في ذلك لا يقع على الشباب فقط وإنما كلنا مذنبون، فالوالدان عليهم جزء كبير من اللوم لإغفالهم مراقبة ونصح ابنائهم، وعلى الحكومة جزء اخر من اللوم لاستخدامها أمثال هؤلاء في الترويج الإعلامي لمشاريعها مما يساهم في دعمهم ماليا واشهارهم إعلاميا. عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كريمٌ يحبُّ الكرم، ويحب معاليَ الأخلاق، ويكره سَفْسافَها) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير وصححه الألباني.