13 سبتمبر 2025

تسجيل

المِسْمَارُ الأخيرُ في نَعْشِ المَطالِب

07 أغسطس 2019

حتّمت الظروفُ الأمنيةُ والعسكريةُ، في منطقة الخليج العربي، أن تترهَّلَ عزيمةُ "تحرير اليمن"، بعد وصول صواريخ (الحوثي) وطائراته المُسيَّرة إلى أعماق المملكة العربية السعودية، ولم تلح في الأفق بارقة أمل لفرض واقع جديد في اليمن، رغم مرور أربع سنوات على حرب التحالف على اليمن، و"وضوح" المواقف "التَودُّدِّيَّة" لإيران، بوصول وفدٍ عسكري إماراتي رفيع المستوى إلى طهران، حيث أفادت وكالةُ (أرنا) الإيرانية بأنه "يُعقد في طهران الاجتماعُ المُشترك السادس لخفر السواحل الإيراني والإماراتي، بهدف بحث قضايا التعاون الحدودي المشترك. حيث وصلَ سبعةٌ من مسؤولي خفر السواحل الإماراتي إلى طهران، لهذا الغرض، ومن المقرر أن يبحث الطرفان قضايا التعاون الحدودي المُشترك وتوافدِ مواطني البلدين، وتسريعِ عمليات نقل المعلومات بينهما. (الشرق – 31.7.2019). وهنا أُخاطب عقول البعض، لا عواطفهم، فيما يتعلق بتبدّل المواقف السياسية هذه الأيام، ودون تشنّج أو "شوفينية" رجعية. تعود أزمةُ العلاقات الخليجية - الإيرانية إلى المُربَّع الأول، وفي تناقُضٍ واضحٍ لما جاء في المَطالب الثلاثة عشر، التي بررَّت بها دولُ الحصار، حصارَها لدولة قطر في 25.6.2017. ذلك أن أول المَطالب التي أعلنتها الدولُ الأربع المُحاصِرة لدولة قطر (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) في اجتماع القاهرة في 24.6.2017، مطالبةٌ قطر بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاقِ المُلحقيات ومغادرة..... والاقتصار على التعاون التجاري مع إيران! أما المَطلب التاسع، ضمن المَطالب، فيقول: "أن تلتزم قطر بأن تكون دولةً مُنسجمةً مع محيطها الخليجي والعربي على كافة الصُعد (عسكرياً، وسياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وأمنياً) بما يضمن الأمنَ القومي الخليجي والعربي....". وإذا كانت دولُ الحصار قد نضَجت لديها "الحَميّةُ" العربية والقومية، بمُطالبة قطر بأن تكون منسجمةً مع محيطها الخليجي والعربي على كافة الصُعد، فها هي دولةٌ من دول الحصار، وبعد أن كلّت يدُها المشاركة في قتال أطفال ونساء وشيوخ اليمن، والمشاركة في تدمير هذا البلد العربي، واقتطاع أجزاءٍ من أراضيه، تعود إلى " الحُضن الإيراني"، المَمنوع على دولة قطر، حسبما وردَ في المَطالب الثلاثة عشر!. كما أن مجلس التعاون، ونظامهُ الأساسي، (الذي تمَّ تجاهله يوم 25.6.2017 )، لا يُلغي سيادات الدول، ولا يجوز أن يتمَّ فرضُ أو معاقبةُ دولةٍ تمارسُ حقَّها الطبيعي في السيادة، كما قامت دولة قطر، وإذا كان الشيءُ بالشيءِ يُذكر، فإن بعض دول المجلس "هاجت وماجت" عندما تم افتتاح مكتب تجاري إسرائيلي مؤقت في الدوحة، ليأتي اليوم الذي يُستقبَل فيه المسؤولون الإسرائيليون في المنامة، وتُفرش لهم السجاجيدُ الحمراء، ويرقصون (Hora) – حورا اليهودية مع بعض أهل البحرين، أيام المؤتمر الاقتصادي، الذي دانتهُ العديد من الدول العربية، حيث شكّلَ المؤتمرُ صدمةً قويةً ومُحبطةً لآمال الشعب الفلسطيني، الذي قاطعَ المؤتمر، رغم أنه عُقد من أجل السلام بين إسرائيل والعرب، أنا هنا لا أنتقد، فتلك من أمور السيادة، ولكن أقول: لم تتدخل قطر في شأنٍ يختصُّ بسيادة الدول، وهذا يجب أن يُطبّق على دول الحصار، إذ ليس لديهم الحقّ في فرض "إملاءات" على دولة مستقلة، بل إن هذه الدول، بعد أن انتقدت دولة قطر، عادت وقامت بأفعال أكثر مِما يستوعبهُ العقل، وهنا يحضُرني بيتٌ للشاعر أبو الأسود الدؤلي: لا تَنْهَ عن خُلقٍ وتأتي مِثلَهُ عارٌ عليك، إذا فعَلتَ عَظيمُ يتم التنسيق الإماراتي - الإيراني في الشؤون العسكرية والأمنية، وهذه الشؤون أهمّ من الشؤون الاقتصادية، والتي تتشارك دولة قطر مع إيران في بعض من جوانبها، وسط تكتّمٍ واضحٍ من قنوات "الفبركة" التي تمتلكها دولُ الحصار، والتي تدّعي المصداقية والدقة واحترامَ رأي الجمهور! إذ إن من حقِّ هذا الجمهور أن يعرفَ ماذا يجري في طهران! كما غابَ المُعلقون والمحلِّلون السياسيون، ولكأنَّ خبرَ زيارة الوفد العسكري الإماراتي لا يرقى إلى مستوى "القيم الإخبارية" التي تعمل بها تلك القنوات! إنه تزييفٌ للحقائق، تماماً كما جرى عند بداية الأزمة، حيث تمَّ اختراقُ موقعِ وكالة الأنباء القطرية وبثّ خبر "مُفبرك" عن حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، وهو عارٍ عن الصحة. لقد ملَّ ضيوفُ (قنوات الفبركة) من عدم ظهورهم على تلك القنوات، نظراً لسقوط أقنعة الحصار، وكان الأجدى أن يظهروا و"يُسعِدوا" جماهيرَهم، ببحث أسباب زيارة الوفد العسكري الإماراتي إلى طهران، ويتنبأوا بنتائج تلك الزيارة وآثارها على شعوب الخليج. وهنا تكمنُ قضية المصداقية التي يجب أن تحكُم العملَ الإعلامي. موضوعٌ آخر يتعلق بالقضية ذاتها، هل جرى تنسيق إماراتي - سعودي - بحريني - مصري حول هذه الزيارة!؟ وأين أمين عام مجلس التعاون، بعد صمتهِ الرهيب، خلال العامين الماضيين من حصار دولة قطر؟ هل تمت استشارةُ الأمانة العامة بذلك، وتم تعميمُ خبر الزيارة، أو "المبادرة العسكرية" تجاه طهران؟ وهل أصبح التقارب مع طهران (عدُوَّة الأمس) لا تأثيمَ عليه، في الوقت الذي قام المَطلبُ التاسعُ من المطالب الثلاثة عشر، التي أعلنتها دول الحصار، بتأثيم دولة قطر على علاقاتها الطيّبة مع إيران، ودعوةِ قطر للعودة إلى محيطها الخليجي والعربي؟ هل ترون في ذلك حصافةً سياسية؟ وحسب البيان الذي صدر عن اجتماع العسكريين الإماراتيين والإيرانيين، فإن "حماية منطقة الخليج الاستراتيجية وبحْر عُمان، ينبغي أن تعود لشعوبها، وألّا يُسمح لسائر الدول أن تمسَّ أمنَنا الإقليمي". وهذه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي حشدت أساطيلَها في المنطقة، دون أخْذِ إذنٍ من أحد! فهل انقلب السِّحرُ على السّاحر، وبات ما كان "مُحرّماً" بالأمس "مُباحاً" اليوم ؟! وقد نكون سمعنا – قبل نشر هذا المقال – رأياً للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) حول هذه القضية ؟ بل، إن فضائيات عديدة، أشارت إلى احتمال تشكيل تحالف دولي لضمان حرية الملاحة في الخليج، برعاية الولايات المتحدة! فما هو الموقف عندئذ، في الوقت الذي يُهدّد الساسة الإيرانيون بردّ كاسح وفوري على أي عدوان أمريكي في المنطقة!. وحسب قناة (الجزيرة) يوم 13.7.2019، فإن مديرَ مكتب الرئيس الإيراني، قد صرّح بأن "لدى الإمارات رغبةً في التواصل مع إيران بهدف حفظ أمن الخليج ومضيق هرمز"! ماذا يعني ذلك؟ هل تحاول إيران "إحراجَ" الولايات المتحدة؟. كما أن الرئيس الأمريكي لا يكُفّ عن التلويح بالقوة، وضمانِ تدفُّقِ النفط من منطقة الخليج! نقول في أدبياتنا (راحت السكْرة وجاءت الفكْرة)، وهذا هو عالم السياسة، المُتقلّب، المُفاجئ، والمُدهش. ولكن للفكرة، عندما تعود، تضحياتٌ وأثمانٌ ومراجعاتٌ عديدة ومؤرِّقة. أستَحضرُ هنا، حديثاً لوزير الخارجية السعودي السابق (عادل الجبير)، يقول فيه: "إن إيران تلعب دوراً سلبياً في معظم قضايا المنطقة"، وإن "إيران تتدخل في المنطقة ودورها سلبي، منه دعمها للإرهاب". كما أضاف في مؤتمر آخر: "نحن في المملكة العربية السعودية لا نُريد الحرب، ولكن لا نسمح لإيران أن تستمر في سياساتها العدوانية تجاه المملكة، ولن نقف مكتوفي الأيدي في ظلِّ أيِّ هجوم إيراني". هل تغيّرت "الأحضان الدافئة" بعد حرب خاسرة في اليمن؟ أدعو القارئ الكريم إلى ملاحظة "التناقضات" التي ظهرت خلال العامين الماضيين، ذلك أن صمودَ دولة قطر في وجه الحصار، قد زعزعَ العديدَ من المواقف، تماماً، كما أنه أجهضَ المؤامرة الكبرى التي هدفت لاحتلال دولة قطر، ولربما ضمّها بالقوة إلى المملكة العربية السعودية، على الطريقة "الهولاكية"! وما المبادرة الإماراتية تجاه إيران، إلّا آخر مسمار في نعش المطالب الثلاثة عشر، والتي لم تُنفّذ دولة قطر أيَاً منها، رغم مرور أكثر من عامين على صدورها.