20 سبتمبر 2025

تسجيل

الدوحة أم الدنيا

07 أغسطس 2019

في المرحلة الاعدادية كانت لا توجد سوى مدرسة قطر الاعدادية للبنين في جميع أرجاء الدولة ساعتئذ، يفد الى الدوحة جميع طلبة الدولة من جميع المناطق ليستكملوا تعليمهم الاعدادي فيها، وهي مدرسة شاسعة المساحة مترامية الاطراف فيها العديد من الملاعب. في مدارس المناطق الخارجية كانت بيئة الطالب صغيرة ورفاقه محدودين والجميع يعرف الجميع والمسافة من البيت قريبة، في مثل هذه الظروف سادت أخلاقيات الفريج الواحد على طبيعة سلوك الطلبة، وكان احترام المدرس في مقدمتها والخوف من الناظر نابعا من طبيعة وجود المدرسة الحديث في وسط هذه البيئة. أخلاقيات الفريج الواحد أو المنطقة الواحدة، حيث لم يكن الاتصال ميسرا كما نرى اليوم، ولم يكن الذهاب للدوحة بشكل يومي أو حتى أسبوعي لشباب تلك الايام إلا لضرورة استطباب أو لحاجة ماسة، ولم تكن تسمى في الاغلب بالدوحة، حيث يشير الكبار في الاغلب إليها بمسمى «البلاد»، فتسمع «أنا رايح البلاد» ويقصد الدوحة. ما يعنيني هنا نمط سلوكيات الطلبة من جيلنا في ذلك الوقت حين انتقلنا الى مدرسة قطر الاعدادية في الدوحة بعد أن كنا من طلبة المناطق. اندمجنا في مجتمع آخر من مجموع طلبة المناطق المختلفة في الدوحة الذين كانوا يسكنون القسم الداخلي، نظرا لصعوبة الانتقال اليومي لمدارسهم وكذلك التقينا بطلبة من الجاليات العربية التي كانت تسكن وتعمل في قطر. هذا المزيج أفرز سلوكيات أكثر جدة، أكثر حدة ومواجهة ومقاومة عما سبق أثناء دراستنا في مدارس مناطقنا الخارجية، قل احترامنا للمدرس وبالتالي الخوف منه، ساعدتنا مساحة المدرسة الواسعة للاختفاء عن الانظار واجتياز السور والذهاب للاسواق والمطاعم، داخل الصف أيضا لم نعد اولئك الطلبة الصامتين الخائفين، نمط جديد من الاخلاقيات أنتجه هذا التمازج لم نكن نعهده في مناطقنا الخارجية حيث العزلة السائدة الى حد كبير. اليوم خرجنا من أخلاقيات الفريج الى أخلاقيات المدينة، اليوم نخرج من أخلاقيات المدينة الى أخلاقيات العالم المفتوح بعد أن أصبحت مدينتنا تعج بالجنسيات التي سمعت أنها وصلت الى 99 جنسية تعيش وسط مدينتنا، أيام قطر الاعدادية، كانت سلوكيات طلبة في فترات المراهقة، وخلفهم آباء صارمون ومجتمع جميل يعيش بالاخلاق. كان الانتقال ضمن حيز اجتماعي واحد، اليوم في كل ساعة نحن ننتقل من حيز الى حيز آخر، ومن نطاق أخلاقي الى نطاق أخلاقي آخر مضاد له تماما، في نفس الوقت نشكو ضعفا تعليميا ملحوظا وتسيبا تربويا ننسج منواله بأيدينا. رحم الله أيام قطر الاعدادية كم كانت أخلاقيات طلبتها التي كان ذلك الجيل يهجوها مثالية، لو اطلع ذلك الجيل على ما يخفيه المستقبل. [email protected]