13 سبتمبر 2025
تسجيلنحتاج للجنة من مجلس الوزراء للبدء في تطوير اللوائح والأنظمة بدعم وزاري مطلق تداخل الاختصاصات وتعدد الموافقات وتأخير الطلبات وتغيير اللوائح بلا تنسيق تعيق الاستثمار "نحن بحاجة للاجتهاد والإبداع والتفكير المستقل والمبادرات البناءة والاهتمام بالتحصيل العلمي في الاختصاصات كافة، والاعتماد على النفس ومحاربة الكسل والاتكالية"، لم يلتصق في عقلي شيءٌ منذ فترة طويلة مثل هذا القول من سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في خطابه الأول في الأزمة. ولعل هذا الأمر يدفعني اليوم للحديث عن الابتكار في الاستثمار في قطر، وما حدث منذ أن قال سمو الأمير هذه الكلمات، وما هي المعوقات التي يعيشها كل من يرغب في الاستثمار، لأننا لا يمكن أن ننعش أي قطاع من قطاعات المجتمع التي يقوم على أساسها دخلنا القومي دون تعزيز جانب الاستثمار فيه، سواء أكان ذلك عبر دفع المواطن للاستثمار المحلي أولاً، أو تنويع طرقه ومجالاته، أو فتح الباب للمستثمر الأجنبي. لقد أصبحنا في حاجة ملحة للجنة من مجلس الوزراء تضم ذوي الاختصاص (وليس شرطاً ممثلاً لكل وزارة) عليها مراجعة كل اللوائح والأنظمة، تداخلاتها، تقاطعاتها، قدمها وحاجتها للتجديد، نقصها أو زيادة شروطها غير اللازمة، وأن تكون اللجنة بصلاحيات مطلقة بحيث ترفع تقريراً سريعاً دورياً يتخذ قرار فوري بشأنه يساهم في تطبيق ما جاء في خطاب سمو الأمير. وهنا أذكر بعض النماذج التي يمكن أن تعطل أي فكرة، وتوقف أي رغبة، وقد أحبطت همم كثيرين، لكنها تحتاج لحل بسيط، خبرت كثيرا منها شخصياً، ووقفت على تجارب كثيرة أخرى ، أطرحها للاستفادة، وأعلم أن أهل الاختصاص ومن يعملون في مكة . . أدرى بشعابها التفصيلية، هذه بعض أمثلة المشاكل التي تعطل أي تجارة ناشئة أو استثمارية: أولا: تبدأ المشكلة بموافقة الجهات المعنية، فبعض الأعمال التجارية تحتاج لموافقات جهات أخرى مثل التعليم والثقافة وغيرها، فيدخل من يرغب في الاستثمار في دوامة البحث عن الموافقات التي قد يجد نفسه في بعض الأحيان بين جهتين، كل واحدة تطلب موافقة الأخرى أولاً قبل إعطاء التصريح الخاص بها، وهنا أقترح أن يتم ضم كل الجهات التي تعطي تصاريح عبر ممثلين لها قادرين على منحها بشكل فوري تحت وزارة الاقتصاد والتجارة متى ما اكتمل الطلب. ثانياً: تدور عجلة الموافقات بنجاح، لتأتي مشكلة التأشيرات، فلا تأشيرات دون رخصة بلدية وقيد منشأة، ولا رخصة بلدية دون إيجار موقع، وبالتالي يضطر الشخص لاستئجار مكان مشروعه والدخول في دوامة التصاريح من البلدية والمرور والدفاع المدني وغيرها وكلها قد تأخذ وقتاً طويلاً، ثم تبدأ معاناة التأشيرات، بين الوزارات المعنية والجهات الأمنية، فلا الموافقات يحصل عليها كما يريد، ولا الجهات المدنية متوافقة مع الجهات الأمنية في تفاصيل التأشيرات الممنوحة، فيجد المستثمر نفسه قد دفع ما يقارب 4-6 أشهر دون أي حركة في الشركة، والحل هنا بسيط، أيضا لجنة تحت وزارة الاقتصاد تمنح موافقات التأشيرات بشكل فوري، على أن يكون في النظام ما يمنع دخول الموظف البلاد قبل إصدار رخصة البلدية وقيد المنشأة وبقية التصاريح اللازمة. ثالثا: بعض اللوائح والقوانين جار عليها الزمن، وعلينا تطويرها بما يتناسب مع قطاع الأعمال، تصدم بما تسمع من شروط لأن من وضعها كان جالساً في مكتبه وقرر وضع أسهل الطرق عليه كموظف، لا أفضل الحلول التي تساعد المستثمر في استثماره، فلا نزل للميدان ولا درس طبيعة كل نشاط، فتجد أحياناً شروطاً تدفع المرء إما لإلغاء نشاطه أو تغييره، ولعل أبرز مثال قانون الفلل الخدمية وتقسيماتها ومسافة ال250 مترا مربعا المانعة لأي نشاط مشابه، هذه الإجراءات أصبحت تسبب خسائر طائلة على صاحب العقار والمستأجر وأهل المنطقة خاصة إذا صدمت بواقع أن كل موافقة تحتاج لإرسال مفتش من كل جهة لأنه ليس هناك مخطط إلكتروني موحد للعقارات الإدارية والموافقات عليها، فيقع المستثمر بين سندان توقيع عقد الإيجار وأمل الموافقة على العقار وخسارة الكثير من الأموال في حال الرفض، وبين مطرقة عدم التوقيع وتقديم الأوراق وخسارة العقار بعد كل هذا التعب، الحل في هذه المعضلة بإعادة دراستها وإلغاء بعض بنودها وتوسيع نطاقها لتشجيع الاستثمار. رابعاً: لا يجب أن تأخذ بعض الوزارات خاصة تلك التي تتداخل في أعمالها مع وزارة التجارة والاقتصاد وقتاً طويلاً لتحويل خدماتها إلى إلكترونية، أو أن تتعطل أنظمتها لفترات طويلة وتعود للعمل اليدوي، فالمستثمر الخارجي غير مستعد للحضور والمراجعة يومياً في مؤسسات مختلفة، والخدمات كلها يجب أن تكون إلكترونية مع التوجه الكامل للحكومة الإلكترونية. خامساً: بعض الموافقات والرسوم وضعت على هوى المسؤول دون أي دراسة، فإحدى الوزارات رفعت رسوم ترخيص تجاري من 600 ريال إلى 50 ألف ريال بدون أي خدمة إضافية على الترخيص، ثم أعادته إلى 10 آلاف ثم إلى 25 ألفا وكل ذلك بلا دراسة وبناء على رغبة المسؤول، أما على مستوى الموافقات فحدث ولا حرج، ففي تنظيم الفعاليات على سبيل المثال لا تمنحك الوزارة المعنية الموافقة إلا قبل أسبوعين من الحدث، بينما تشترط الجهة الأمنية موافقة الوزارة المعنية قبل ثلاثة أسابيع من الحدث لإعطاء الترخيص، وهذا واقع يخالف ما تريده هيئة السياحة ووزارة الاقتصاد والتجارة من إنعاش قطاع الفعاليات والمؤتمرات، ومبني على عدم دراية بواقع هذه الأنشطة وما تحتاجه من عمل يمتد لأشهر طويلة قبل التنفيذ، لا أسبوعين فقط!!. سادساً: العالم يتغير وعلى وزارة الاقتصاد والتجارة أن تتعامل مع ما يطرأ على التغير في النشاط التجاري، وتحوله من كتل اقتصادية كبرى إلى أنشطة فرعية متعددة بطرق متنوعة، سواء أكان ذلك عن طريق إصدار التراخيص المباشرة منها أو الضغط على الوزارات المعنية، فكثير من الأشخاص يحصل على نشاط تجاري ويعمل في نشاط آخر، فيضلل السوق، ويشتت الإحصائيات الرسمية، ويخلق حالة فوضى في التعامل التجاري الحقيقي في السوق المحلية، وليس أبرز مثال على ذلك إلا تأخر قانون التجارة الإلكترونية الذي ينظم التجارة الإلكترونية أو قانون الإعلام الذي يجب أن ينظم عمل شركات التواصل الاجتماعي التي تعمل حالياً إما تحت ترخيص العلاقات العامة أو الحاسب الآلي. سابعاً: الشروط لأي نشاط تجاري يجب أن تكون في النظام، يمكن لأي موظف يعمل على نافذة المؤسسة أن يعطيها طالما كانت المعاملة كاملة، يجب أن يلغى مصطلح "توقيع المدير" من قاموس العمل التجاري إلا في حالات معينة تكون واضحة ومحددة، أما ما دون ذلك فلا يجب أن تعرض المعاملة على لجان ولا تحتاج لتوقيع مسؤول. كما ذكرت هذه بعض الأمثلة التي تشكل عائقاً كبيراً في عمل الكثيرين، وباباً لخسارة تجارية لكل الراغبين في بدء أي تجارة، إذا راجعنا قوانيننا السابقة التي مر عليها وطر من الزمن، سنجد أن تغييرها بسيط وسيكون للأفضل. لدينا مشكلة حقيقية في أن العاملين في هذه المؤسسات لا يمارسون التجارة التي يعطون تصاريحها، وقراراتهم تبنى على ما يواجهون من مشاكل إدارية يومية فقط مع المراجعين، وهذا يشكل عائقاً في فهم متطلبات أي مرحلة للتطوير والابتكار. لقد خبرت شخصياً كثيرا من المبادرات التي قامت بها وزارة الاقتصاد والتجارة لتذليل الصعوبات وفتح أبواب التجارة والاستثمار، لكنني أرى أنها جهود لا يمكن أن تحقق النجاح مع كل المعوقات التي تضعها جهات أخرى لا علاقة لها بالعملية التجارية، والحل الوحيد أن تكون سلطة إدارة العملية التجارية والاستثمارية محصورة في يد وزارة الاقتصاد والتجارة وإشرافها على الجهات المعنية عبر ممثلين معتمدين. وكما بدأت المقال بكلمات لسمو الأمير، أختمه بما قال أيضاً ليكون تأكيداً على ما ذكرته في السطور السابقة، حيث قال : إن المرحلة التي تمر بها قطر حاليا هي مرحلة بالغة الأهمية من حيث الفرص التي أتاحتها؛ ليس فقط للبناء، بل أيضا لسد النواقص وتصحيح الأخطاء، ونحن كما تعلمون لا نخشى من تشخيص الخطأ وتصحيحه.