14 سبتمبر 2025

تسجيل

اتفاق الرياض المنقوض

07 أغسطس 2017

قرأتُ بتمعن اتفاق الرياض الذي تم التوقيع عليه يوم 23/11/2013، والذي كان حجر الأساس في فرض الحصار على دولة قطر، مع (اتفاق الرياض التكميلي) والذي أُضيفَ لأزمةِ "الشيطنة" التي أُلصقت بدولة قطر. إذ بعد الديباجة العادية، جاءت ثلاثةُ بنود: الأول: عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس، وعدم تجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته. الثاني: عدم دعم (الإخوان المسلمين) أو أي من التنظيمات أو الأفراد الذي يهددون أمن واستقرار دول المجلس. الثالث: عدم قيام أي من دول مجلس التعاون بتقديم الدعم لأي فئة كانت في اليمن، ممن يشكلون خطرًا على الدول المجاورة لليمن. وقّع الاتفاق كل من المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية آنذاك، وسمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت حفظه الله، وحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر حفظه الله. وإذا ما حاولنا تحليل تلك الوثيقة الرئيسية التي يُعتد بها في تبرير حالة الحصار المفروض على دولة قطر، فلسوف نجد الآتي: - من المبادئ الأساسية لأي نظام في العالم هو عدم التدخل في الشؤون للدول الأخرى، وهذا منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة وبقية المواثيق الدولية الملحقة به، وأيضًا يوجد في الدستور القطري، مادة 7 (الباب الأول) التي تقول: "تقوم السياسة الخارجية للدولة على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين، عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام". وإذا ما ربطنا هذا النص مع حق السيادة لدولة قطر، شأنها شأن كل دول العالم في اختيار مسارات سياساتها الخارجية، وحق إقامة علاقات وطيدة وناجحة مع دول العالم، فإن النص أعلاه في البند الأول ضعيف وهو (تحصيل حاصل)! أما ما يتعلق بالتجنيس، فإنه يوجد في دول المجلس من يحتفظ بأكثر من جنسية، نظرًا للوشائج والتداخل في علاقات القربى، ولم يحدث أن قامت قطر بالامتعاض من ذلك ولم تجنس فردًا معارضًا أو له نشاطات تتعارض مع أنظمة الحكم في دولته (كما جاء في نص البند)! وحول عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، قال سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية في المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية الإيطالي يوم 2 أغسطس الحالي، عندما سُئل عن (حفاوة) استقبال وزير الخارجية السعودي (عادل الجبير) لنظيره الإيراني (محمد جواد ظريف) على هامش اجتماع مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، وقالت وكالات الأنباء: "إن (الجبير) قام بالتوجه إلى مكان وقوف (ظريف) واقترب منه واحتضنه، واستمر اللقاء نحو دقيقة". واعتبر سعادة وزير الخارجية القطري "ذلك شأنًا سعوديًا لا تدخل فيه"، ولم يزد عن ذلك أو يربط ذلك بـ"مهاترات" يتم ترويجها في وسائل الإعلام عن علاقة دولة قطر بإيران، وأن دول الحصار تكرر دومًا بضرورة تخفيض قطر مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران، ولا تنظر تلك الدول إلى أن هذه المطالبة تعتبر تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية القطرية، وهو لبُّ البند الأول من اتفاق الرياض المنقوض من قبل أهله. كما أن قطر تعلن للملأ عن علاقاتها الاقتصادية مع إيران وتشاطرها حقول الغاز، وليس كما تتردد بعض دول الحصار في إعلان أرقام ميزانها التجاري الكبير مع إيران! - أما بالنسبة للبند الثاني، ولا نخجل من أن نطرحه أو نتردد في ذلك، وهو "عدم دعم (الإخوان المسلمين) أو أي من التنظيمات أو الأفراد الذين يُهددون أمن واستقرار دول المجلس"، فالأمر هنا أمر سيادي بالمقام الأول، ولقد استضافت دول الحصار بعض المارقين من الحكام العرب وأولادهم بعد أن لفظتهم شعوبهم وبدأت تُهيئ لهم طريق العودة إلى الحكم، في تحد صارخ لكل التضحيات التي قدمتها تلك الشعوب، وللمواثيق الدولية ذات العلاقة، وفي مقدمة ذلك اليمن، وليبيا وسوريا. والإخوان المسلمون إن عاداهم النظام المصري، لا يجوز لدول الحصار أن تدخل على ذاك الخط، أو أن تخضع -لاعتبارات وتوازنات سياسية- لإملاءات تلك العداوة، وهم موجودون في العديد من البلدان العربية منذ أكثر من ستين عامًا، وتوجد قوانين ولوائح تُنظم عملهم أو حقهم في إبداء آرائهم، بل يوجد في دول الحصار من يُؤوي جماعات وأفرادًا تختلف دولة قطر على توجهاتهم وأهدافهم، فلا عيب أو خوف من أن تمارس قطر حقها السيادي! كما يجب ألا ننسى أن (الإخوان المسلمين) قد فازوا في انتخابات نزيهة في مصر، لم تصل نسبتها إلى 99.99! بل إنه توجد تنظيمات لهم في دول الحصار تعمل وفق أنظمة تلك الدول، وبعضهم موجود في المجالس النيابية بدول الحصار! وذكري لهذه الحقائق لا يعني بأي حال من الأحوال بأنني أدافع عن (الإخوان المسلمين)! - أما بالنسبة للبند الثالث: "عدم قيام أي من دول المجلس بتقديم الدعم لأية فئة كانت في اليمن"، فهذا أيضًا مردود عليه، لأن قطر قدَّمت أبناءها للدفاع عن حدود المملكة العربية الجنوبية، ومن غير المنطقي أن تدعم الطرف الآخر المعادي للتحالف، بل إن الأحداث الجارية هذه الأيام تؤكد دون شك أن هنالك من ناقض اتفاق الرياض، وآليته التنفيذية، وقام بعمليات تتعارض وأهداف عاصفة الحزم، وعودة الشرعية لليمن بخلق بؤر خلاف وتوريد الأسلحة وتغيير الطبيعة الديموغرافية فيه، وهذه مخالفة واضحة للبند 2 من آلية تنفيذ اتفاق الرياض. نخلص من هذا إلى القول: إن اتفاق الرياض كان هشًا من البداية ولم يتم الالتزام به من قبل الأطراف، شأنه شأن معظم اتفاقيات مجلس التعاون، إذ ينتفض "شبحُ" السيادة للدول، عندما يعود القادة من قممهم الخليجية، ويرفع درجة حرارة السيادة، فيتم تجميد الاتفاق، وهذا يجري منذ عام 1981 عام إنشاء المجلس. كما أن الاتفاق المذكور جاء نتيجة عوامل عدة منها: الغيرة، الحسد، المؤامرة على دولة قطر وشعبها منذ عام 1995، وهذا غير متوقع من الإخوة الأشقاء. إن العضوية في مجلس التعاون لا تلغي سيادات الدول، كما أنه من غير المنطقي أن تكون سياسات الدول الست نُسخًا كربونية من بعضها، بل إن سياسات سلطنة عمان الشقيقة، منذ إنشاء المجلس، كانت مستقلة ولم توافق أن تكون سياساتها نسخة مما تريد فرضه بعض دول المجلس، بل إنه في سنوات القطيعة مع إيران، كانت سلطنة عمان تحافظ على (شعرة معاوية) في عدم استعداء إيران وتكون وسيطًا بينها وبين دول التعاون، خصوصًا وأنها تشاطر إيران سلامة الملاحة في مضيق هرمز الدولي. وهذه السياسة أعطت السلطنة وجودًا إقليميًا ودوليًا فاعلًا، لم يتحقق لغيرها من الدول. فلماذا يريد "الأشقاء" أن تظل قطر تحت عباءة أحدهم؟ ولماذا لا تكون هناك شفافية -في وضح النهار- ووضع جميع أوراق اللعبة على الطاولة، وعبر الحوار يمكن حل جميع الإشكالات أو الاختلافات، دون اللجوء إلى الحصار ومعاقبة الشعب القطري، وتشتيت الأُسَر وتعريض القطريين لآثار الحصار على المستوى الشخصي وعدم تمكنهم من الوصول لمشاريعهم في دول الحصار! ولماذا يتم حرمان الشعوب -كل شعوب التعاون- من العيش بأمان وحرية كبقية شعوب العالم. نحن نتمنى أن تركز دول الحصار على تنمية شعوبها وتوفير الرخاء والأمان لها، ما يُمكّنها من العيش بكرامة في تآلف مع شعوب الخليج المتحدة طبيعيًا، دون تقاذف الاتهامات وتدبير المكائد للدول الشقيقة.