17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تحدثنا في مقالات سابقة عن انخفاض معدلات الإنتاجية في الاقتصادات الخليجية، وقبل عدة أيام أصدرت ثلاث مؤسسات إنمائية ومالية دولية بارزة هي البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وبنك الاستثمار الأوروبي ومجموعة البنك الدولي تقريرا أكدت فيه أن شركات القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن تصبح محركا رئيسيا للنمو وتنويع مصادر الدخل إذا ما تمكنت من إزالة العقبات أمام تحسين إنتاجيتها. ومن واقع مسح شمل ستة آلاف شركة في المنطقة يحدد التقرير أربعة مجالات لابد من وضع سياسات ملائمة لها من أجل تحسين إنتاجية الشركات وهي تحسين مناخ الأعمال، وتحسين إمكانية الحصول على التمويل، وتحقيق مستويات أفضل من التعليم والتوظيف والمهارات، والنهوض بالتجارة، والمنافسة والابتكار. ويخلص إلى أن وجود إستراتيجيات لمساندة الشركات في جهودها لتعزيز إنتاجيتها – وكذلك عملية إعادة تخصيص الموارد لتوجيهها نحو الشركات الأكثر إنتاجية - يجب أن يكون من أهم أولويات السلطات العامة في المنطقة. ومن دون شك، تعتبر الإنتاجية المصدر الحقيقي للنمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة في أي بلد، مهما كان نوع النشاط الاقتصادي فيه. إن معدلات نمو الإنتاجية وتحليل عناصرها تعطي نظرة فاحصة للنشاط الاقتصادي، وتكشف نواحي الضعف والقوة في هذا النشاط. لهذا تتسابق الدول للمحافظة على استمرارية معدلات نمو متزايدة في الإنتاجية بإدخال التحسينات المستمرة في الجوانب التكنولوجية والإدارية والبشرية، وتمكنت الدول المتقدمة عن هذه الطريق من تحقيق تقدم صناعي كبير مكنها من السيطرة والتحكم في الاقتصاد العالمي. واستخدمت اليابان الإنتاجية كوسيلة فعالة لإصلاح اقتصادها الذي تدمر كليا خلال الحرب العالمية الثانية، واستطاعت بفضل رفع معدلات الإنتاجية من النهوض ثانية بعد أن حققت معدلات نمو عالية في الإنتاجية. بينما أخذت دول جنوب شرق آسيا بتجربة اليابان القريبة منها، فركزت الجهود الكبيرة من أجل تطبيع مجتمعاتها وتوعيتهم بأهمية تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية، فوضعت لذلك السياسات والبرنامج الوطنية لتحقيق أهدافها. إن ما تحقق لليابان أو الدول الصناعية الأخرى من معدلات نمو عالية في الإنتاجية جاء نتيجة لوعي بأهمية الإنتاجية وجهود منظمة لإدخال تغيرات جوهرية لإنجاح الإنتاجية اعتمدتها كوسيلة فعالة لدعم منتجاتها في الأسواق العالمية. إصلاحات دول الخليج خلقت ثروات ووفرت فرص عمل وفي دول مجلس التعاون الخليجي، أتاحت الإصلاحات الكثيرة التي تم تطبيقها خلال العقدين الأخيرين لمؤسسات الأعمال أن تصبح أحد المصادر الرئيسية لخلق الثروة وتوفير الوظائف. وإذا استثنينا التأثيرات السالبة لزيادة العمالة الوافدة على إنتاجية مؤسسات الأعمال، فإن السبب الرئيسي الآخر للأثر المحدود لهذه الإصلاحات على الإنتاجية يرجع إلى تطبيق السياسات على نحو متفاوت ولا يمكن التنبؤ به، مما أدى إلى افتقار عملية الإصلاح إلى الاستدامة والتحول إلى ثقافة مجتمعية. وتوضح استقصاءات البنك الدولي في المنطقة أن حوالي 60 في المائة من مديري مؤسسات الأعمال يرون أن القوانين والإجراءات الحكومية لا يتم تطبيقها في المنطقة بصورة منتظمة وبطريقة يمكن التنبؤ بها، مما يحد من مقدرتهم على تعزيز الإنتاجية. لذلك، فإن دول المنطقة مدعوة لإضفاء المزيد من المؤسسية في بيئة الأعمال التجارية بغرض تشجيع المزيد من أصحاب مؤسسات الأعمال على الاستثمار وبالتالي زيادة الإنتاجية. ويستلزم ذلك إتاحة المجال لمؤسسات الأعمال للمشاركة في أجندة الإصلاح، التي تعطي إشارة واضحة إلى مصداقية الالتزام بهذه الأجندة. وعندما تتوافر البيئة التنظيمية الضرورية، يمكن لحكومات المنطقة أن تشجع الشركات والمستثمرين على الدخول في كافة قطاعات الاقتصاد، وذلك من خلال إزالة كافة المعوقات الرسمية وغير الرسمية. إزالة كافة المعوقات الماثلة أمام حرية المنافسة ومن أجل تحسين إنتاجية الشركات في دول المنطقة، تبرز أمامنا ثلاث ركائز أو سياسات ينبغي على دول المجلس تبنيها. أولا، يتعين على حكومات المنطقة إزالة كافة المعوقات الماثلة أمام حرية المنافسة والدخول إلى والخروج من الأسواق، ومن الضروري الحد من تضارب المصالح ـ أينما وجدت ـ بين الموظفين العموميين ومستثمري القطاع الخاص من خلال تعزيز لوائح وممارسات الشفافية والحوكمة. وثانيًا، يجب توفير مؤسسات قوية تشرف على وضع السياسات المساندة لعملية الإصلاح وزيادة الإنتاجية مثل المؤسسات التي تضطلع بتنظيم عمل الأسواق والتعامل مع الشركات، بغرض الحد من التداخل والسلطات التقديرية في تطبيق القوانين والإجراءات الحكومية. وثالثًا، يجب على دول المنطقة تشجيع إقامة علاقة شراكة جديدة بين القطاعين العام والخاص، بحيث يمكنها حشد كافة الأطراف المعنية صاحبة المصلحة المباشرة في مراحل تصميم وتنفيذ وتقييم السياسات الاقتصادية. فعندئذ فقط سيكون ممكنًا للقطاع الخاص أن تتعزز ثقته في الاقتصاد على المدى المتوسط والبعيد، مما يشجعه على ضخ المزيد من الأموال التي تعظم دوره في الإنتاجية والتنمية المستدامة.