31 أكتوبر 2025

تسجيل

قيم شبابنا تهتز !!

07 أغسطس 2014

تواجه المجتمعات المعاصرة على اختلاف درجات تقدمها تغيرات متنوعة تمثل تحديا للدول المتقدمة والنامية، ولها تأثيرها السلبي في أنظمة ومؤسسات المجتمع وشبابه، ولهذه المتغيرات تأثيرها الأكثر ضراوة في دول العالم النامي نظرا لمحدودية الإمكانات، وهذا التأثير يظهر أكثر ما يظهر في إحداث اهتزاز في القيم. وقد بدأ التغير القيمي الملحوظ الناتج عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية والتكنولوجية الناجمة عن العولمة وتداعياتها يتخذ سبيله لدى الشباب – غير المحصَّن ثقافيا - مما نجم عنه كثير من التغير في اتجاهات بعض هؤلاء الشباب. فبعض الشباب أصبح يسلك سلوكيات تشوبها الغرابة في المظهر ولغة الحديث، والتصرفات، وصارت معظم الأفعال الصادرة عنهم يغلب عليها طابع الجراءة على أبسط القيم حتى بات الكبار مؤمنين بأن جيلا ظهر من الشباب بلا قيم وأن الأجيال الشابة تختلف عن أجيال الكبار في سلوكهم السافر لكل ما يتعارض مع قيمنا النبيلة وتقاليدنا العريقة السامية وأن الفساد في الأجيال الجديدة قد بلغ منتهاه.ولما كان الشباب هو عصب المجتمع وركيزته الأساسية في الإنتاج وتحقيق التنمية والتقدم والحفاظ على حضارته وهويته الثقافية. فإن قيامه بهذا الدور يتوقف - بدرجة كبيرة - على دور التربية في تسليحه وتزويده بالقيم الأصيلة التي تحميه من التبعية والانسياق وراء موجات التحرر والانفتاحية دون قيد أو ضابط يحكم مسيرته أو تقليده الأعمى. ليس هذا فحسب بل إن إدراكه للتغييرات والتطورات الحادثة من حوله بغية تعرف جوانب الخير منها واتقاء مكامن الشر بها يعد من القيم التجديدية التي ينبغي على التربية إكسابها للشباب، كي تساعده على التفاعل الخصب مع هذه التغييرات والمستجدات التكنولوجية ومسايرة ركب التطور من حولهم على نحو محمود ومرغوب. فلقد أصبح الشباب الآن في ظل الأنظمة المعاصرة جيلا مغتربا يفتقد مشاعر الانتماء التي تربطه بالبيئة الاجتماعية، كما أنهم قد يشعرون بحماسهم الزائد بضرورة نقد كل ما يحيط بهم حيث إن التغيرات البنائية التي طرأت على مجتمعهم لم يصاحبها أي عمليات تخطيطية أو توفيقية لاحتياجاتهم الآنية أو المستقبلية.تختص مرحلة الشباب – في رأي التربويين وعلماء النفس - بخصائص تميزها من غيرها من المراحل التي تسبقها من طفولة، ومراهقة مبكرة، كما تميزها من المراحل التي تليها من كهولة، وشيخوخة؛ حيث يتميز الشباب بالقوة العضلية والطاقة الحيوية التي تجعله قادرا على العمل؛ راغبا في تحمل تبعاته، ميالا للانطلاق والمغامرة والحركة والنشاط، كما يتميز من الناحية النفسية باهتمامه بالمثل العليا والإيمان بها والكفاح من أجلها، وهو في اهتمامه بهذه القيم والمعاني يكون محكوما بعاطفته ووجدانه، كما أنه - برغم نضج واكتمال قواه العقلية - لم تنضج بعد قدرته على التكيف مع متغيرات العصر الثقافية، ومن ثم فإن الشباب على استعداد كبير للتزود بالمعرفة والبحث عن الخبرة بمختلف الوسائل، والسير وراء المستجدات، والاستجابة لهذه المعرفة والخبرة؛ خاصة إذا اقتنع بها وذلك بعد تدقيقها، والتأكد من صوابها، ولعل هذا يفسر إلى حد كبير ثورات الشباب على الكبار وعلى مؤسساتهم وأفكارهم ومعتقداتهم. ولا تتأثر قيم الشباب في نموها وتغيرها بالعوامل الجسمية والعاطفية والعقلية فحسب؛ بل يضاف لهذه العوامل عوامل أخرى تعمل بصورة فردية أو مجتمعة على تغير قيم الشباب منها: العوامل الاجتماعية الكامنة في أن الشباب من أقل الفئات مسؤولية اجتماعية، وتخففه من هذه المسؤولية يجعله أكثر تصديا للقضايا العامة وأكثر استعدادا للدفاع عن وجهات نظره بشأنها، ومنها أيضا ما يواجهه الشباب من تحديات علمية وتكنولوجية وثورة اتصال جعلت من هذا العالم قرية كونية صغيرة بل كوخا يجتمع فيه العالم وعلى شبابه التعامل مع كل هذه المستجدات.هذا بالإضافة إلى ما يسود المجتمع من تقاليد وأعراف، وما يحكمه من قوانين وأهداف تتمثل في وضع الشباب على طريق المعرفة والبحث في مختلف التخصصات، وتوفير فرص الثقافة العريضة والعميقة التي تساعد الشباب على فهم ما يحيطه، وشق طريقه في الحياة، والوعي بأحداثها وتطورها، والتخصص في أحد مجالات العمل بها كأن يكونوا أطباء أو مهندسين أو معلمين أو أخصائيين في مختلف المهن التي يتيحها النشاط الاقتصادي وبما يسهم في كسب العيش وخدمة المجتمع، هذا بالإضافة إلى التمكن من مفاتيح ارتياد المجهول والتوافق مع المستجدات العالمية والتكنولوجية، ومواجهة ما ينتظرهم في المستقبل من تحديات قومية وعالمية؛ خاصة أن المجتمع الحديث يموج بأفكار وشعارات تتطلب التعامل معها بحكمة بالغة.هذه العوامل من ثورة علمية تكنولوجية وغيرها كان لها دور لا يمكن إغفاله في تشكيل الكثير من معارفنا وقيمنا ومفاهيمنا في الحياة، مما جعل الكثير من أفراد المجتمع يقعون في كثير من الأخطاء نتيجة ضعف قدرتهم على الانتقاء والتفضيل بين ما هو مبثوث إليهم من خلال الفضائيات وما ينتج عن تعاملهم مع أنماط التكنولوجيا الحديثة، وبين ما يؤمنون به من قيم مما أدى إلى اضطراب قيم الشباب وانتشار بعض القيم الجديدة.