06 أكتوبر 2025

تسجيل

تباريح المواجع في حضرة الضيف القادم

07 أغسطس 2013

عندما تمرّ المناسبات السعيدة بنا في أجواء حزينة أو مؤلمة.. لا نشعر بطعم السعادة، ولا نحسّ بمذاق الفرح والسرور.. فحزن المآتم يطغى على بهجة الأفراح، كالنجاح أو التفوق أو تحقيق إنجاز أو الزواج وغيرها. وفي التقاليد الاجتماعية الحسنة التي عرفناها فيما مضى على مستوى الأقارب والجيران أن كثيرين كانوا يلغون حفلات الأفراح أو يؤجلونها احتراما لمشاعر جيرانهم، ممن فقدوا عزيزا أو حلّت بديارهم مصيبة. الأصل في العيد أن يكون نابضاً بالفرح. عامراً بالحبور والبهجة. لا تفارق البسمة ثغر الناس، ولا الإشراق مُحيَّاهم، ولكن الواقع ليس هكذا، سواء أكان على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة. على مستوى الشعراء اشتهرت قصيدة أبي الطيب المتنبي التي خاطب بها العيد بقوله: عيدٌ بأي حال عدتَ يا عيد.. بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ. أما الأحبّة فالبيداء دونهمُ.. فليت دونك بيداً دونها بيدُ. وعندما حلّ العيد وأبو فراس الحمداني أسير لدى الروم قال في قصيدته الحزينة: يا عيدُ ما جـئتَ بمحبوبِ.. على مُعَنَّـى القلبِ مكروبِ يا عيدُ قد عدتَ على ناظرٍ.. عن كل حسنٍ فيكَ محجوب حتى الابتسامة قد تغيب عن اللحظات الجميلة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأمة.. جروحها وهمومها ونكباتها.. فعندما كان الصليبيون يحتلون بيت المقدس قال صلاح الدين الأيوبي قبل أن يتمكّن من تحريرها بعد ذلك: "كيف ابتسم والأقصى أسير، والله إني لأستحي من الله أن أبتسم وإخواني يعذبون ويقتلون". وفي ذات السياق، يستحضر الشاعر السوري الكبير عمر أبي ريشة رحمه الله مأساة فلسطين فيخاطب العيد بقوله: يا عيد ما افترّ ثغر المجد يا عيد.. فكيف تلقاك بالبشرى الزغاريدُ يا عيد كم في روابي القدس من كبدٍ.. لها على الرفرف العلويّ تعييدُ هاهو العيد يطلّ علينا من جديد بعد يوم أو يومين، فلا يعرف كثير من الناس في عالمنا العربي والإسلامي للفرح موضعا، ولا للسرور مكانا، بسبب الفقر والعوز، أو بسبب الكوارث والمحن والأزمات الحاصلة، وفي مقدمة هذه الدول حاليا سوريا. في صباح العيد ستتذكر كثير من الزوجات الأرامل أزواجهم، والثكالى من الأمهات أبناءهم الذين قضوا، بسبب الآلة الوحشية للجيوش الذي صارت تقصف وتدمر البيوت على رؤوس أصحابها فتقتل المدنيين العزل، أو تستهدف المتظاهرين السلميين، في ساحات التظاهر، وسيتذكر كثير من الأحباب أحبابهم، وقد نأت بهم الديار بسبب انعدام الأمن، فأصبحوا نازحين عن بيوتهم، إلى مناطق أخرى أكثر أمنا في بلادهم، أو لاجئين إلى دول أخرى.. يتحول الناس من حال إلى حال، وتغيب المقومات الأساسية للحياة، بسبب انعدام العمل والتشرد، ويكون الأطفال هم الضحية الكبرى لمثل هذه الأوضاع.. يريدون أن يفرحوا بالعيد، دون أن يجدوا ما يسرّ خاطرهم من لباس جميل وهدايا وألعاب وسلامة، أو بسبب الظروف الإنسانية الصعبة، وكم هي الذكريات المؤلمة والمشاهد المأساوية التي سيستحضرها السوريون الذين لا يرون نورا في آخر نفق الأزمة المستحكمة، ولا بصيص أمل بسبب تعنت النظام الحاكم الذي يصر على عدم تخليه عن كرسي الحكم الرئاسي، الذي تم توريثه له من أبيه، في سابقة لم يعرف التاريخ المعاصر لها شبيها، وشعاره " أنا أو الطوفان". في أعياد عام 2011 كنا نشعر بكثير من الفرح والغبطة، إذ كنا نمنّي أنفسنا في بدايات ربيع الثورات العربية بقرب نهاية الأنظمة الديكتاتورية، وإيذان فجر الحرية، ولكن يشاء الله أن يدفع الشعب السوري ـ ولا يزال ـ ضريبة أكبر في مواجهة الظلم، وتضحيات أكثر في سبيل استعادة كرامته وكرامة الأمة، كما يشاء سبحانه أن ينقلب العسكر في مصر على الشرعية، قبل شهر في محاولة لإجهاض ثورة شعبها الكريم، وإعادة العقارب للوراء، من خلال مؤامرة قذرة، تدخلت فيها أصابع المكر من الغرب والشرق، بتواطؤ رهط من بني جلدتنا. لكن رغم هذه الصعاب فإن المطلوب من الثائرين على الظلم أن يظلوا قابضين على الجمر، وأن يستعينوا بالله ويصبروا، في مواجهة خصومهم، حتى تكون العاقبة المشرفة لهم، وليتذكروا أن أصحاب الحق ماضيا وحاضرا، هم من يضحّون ليسعدوا وتسعد الأجيال والأمة بهم. وللذين يرقبون المشهد من حولهم عن بعد، وهم في نعمة، وأمن وأمان، وإخوانهم في الشام ومصر وغزة.. في همّ ونصب ومحنة وبلاء، نقول لهم لا يحسن بهم أن يبقوا متفرجين، يكتفون بمتابعة الأخبار على شاشات الفضائيات فقط، لابد لهم أن ينفعلوا مع الحدث، لأن ما يجري إنما هو مرحلة تحول تاريخية، لا تهمّ مصر وأهلها أو الشام وأهلها فحسب، بل تهم مجموع الأمة، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. لذا فلابد من التذكير مرارا وتكرارا، بأن يقفوا مع إخوانهم وقفة قوية، ويدعموهم بكافة سبل الدعم، حتى لا يكون حالنا كما قال المثل العربي:" أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض" كل عام وشعوبنا العربية والإسلامية والأمة جمعاء، بأمن وأمان، وحرية وكرامة وسعادة وطمأنينة، وقوة ومنعة.