23 سبتمبر 2025

تسجيل

أمريكا وحقوق الأقليات.. والإرهاب

07 يونيو 2020

كنا نعتقد أن وباء "كورونا " الفتاك سيخلق قيما إنسانية أخرى بإنسان آخر يستشعر صغر الحياة وتفاهاتها حين يرى الموت يسري في الجسد الإنساني كسريان النار في الهشيم نتيجة انتشار الجائحة الوبائية ، فيرى المئات بل آلاف من الجثث تتساقط يوميًا أمام ناظريه ضاقت منها القبور ، لكن مع - الأسف - لا اتعاظ ولاعبرة ، فالنفس الأمارة بالسوء مازالت تعيث وتتمادى في غيّها وجبروتها وشرها ، لا قوانين منصفة ، ولا محاكم عادلة ، ولا قضاة نزهاء إلا من رحم الله ، فمازالت القوة البوليسية هي الحكم في اتخاذ القرارات ، تأخذ مجراها في أغلب دول العالم ، تسحب الأرواح بلا حسيب ولارقيب ولا خوف من الله ولاعقاب، لعل حادثة خنق الأمريكي ذي البشرة السوداء "جورج فلويد " تحت ركبة الشرطي الأمريكي ذي البشرة البيضاء وهو يصرخ " أرجوك لا أستطيع أن أتنفس " حتى فاضت روحه ،نموذج للعنصرية الجائرة ، والشر القائم ، أبكت من شاهدها ، وعلى أثرها انتفضت أكثر من ثلاثين ولاية أمريكية غضبًا واحتجاجاً ، منددّين بالعنصرية والعبث الارهابي ، والتي وصل صداها واتسع نطاقها خارج الولايات الأمريكية. .. إنه الإرهاب البشري الذي نراه يمارس ضد الإنسانية الضعيفة خلال القنوات الإعلامية والمنصات الاجتماعية بصفة يومية ، فالإرهاب القائم على قتل الانسان وإسالة دمه يبقى إرهابا في جميع الأعراف والمذاهب والأوطان باختلاف الأزمنة والأمكنة لا يتقبله العقل الإنساني بكل صوره ينقلنا إلى عصر الغاب الذي لا تحكمه قوانين إلهية ولا بشرية، من منا لم يتفاعل ألماً وغضباً على خنق "جورج فلويد" وهو يلتمس التنفس ، " اتركني أريد أن أتنفس " ومع المواطن الأمريكي الذي يبلغ 75 عامًا الذي دفعه الشرطي الأمريكي على الأرض أثناء التظاهرات فأدى الى إسالة دمه وارتجاج رأسه ، ومن منا لم يتذكر جريمة قتل المواطن القطري الشاب على يد شرطي أمريكي في شوارع إحدى المدن الأمريكية واتهامه بالاختلال العقلي ، وجريمة المنشار الذي قطع به جسد الكاتب " جمال خاشقجي " وجريمة قتل "الحويطي " المواطن السعودي دفاعا عن التمسك ببيته وعدم تركه يهدم لمشروع " نيوم السياحي " ثم سلمت جثته هامدة لأهله، وغيرها من العمليات الإرهابية التي تدور رحاها في الكرة الأرضية على مستوى الأفراد والأوطان ، أعادت مقتل " فلويد " في ذاكرتنا سيناريوهات الكثير منها وليس بعيدا عنا الممارسات الصهيونية اليومية في الأراضي الفلسطينية المماثلة لأساليب الشرطة الأمريكية في طريقة الخنق والقتل، وإن اختلفت جميعًا في التفاعل الشعبي من حيث الانتشار وخلع عباءة الخوف وامتدادها واستمراريتها وأعداد المشاركين في الداخل والخارج. .. أمريكا الدولة القوية باقتصادها وقوتها وتطورها وسكانها وبعنجهية رئيسها " ترامب " وغطرسته وفرض هيمنته وبسط نفوذه على العالم من فلسطين إلى العراق واليمن وسوريا وإيران وفنزويلا والخليج ، الآن تفقد أمريكا السيطرة على نفسها ، فالوباء الذي اجتاح مدنها وخلف أكثر من 100 ألف ضحية من مواطنيها ، بيّن ضعفها في مواجهته، واستخدام أسلوب الاتهامات على الصين ، وانفجار ولاياتها ومدنها بمظاهرات واحتجاجات وتدمير الممتلكات وبأفظع أشكال القمع والعنف الأمني ، يعتبر الأسوأ في تاريخها في ظل رئيسها " ترامب " لم تشهده أمريكا مسبقًا ، جعله يصف المتظاهرين بالكلاب المسعورة ، ويهددهم بإطلاق قوته غير المحدودة به ، الآن الإرهاب يمارس في أمريكا وبأيدٍ أمريكية ، وفي محاولة غير معهودة ومخالفة للدستور الأمريكي ، ومحاولة استخدام الجيش في المدن ضد المدنيين على طريقة الدول البوليسية الاستبدادية ، الإرهاب الذي اتهمت به أمريكا الكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية والخيرية والدينية والكثير من الدول الإسلامية والعربية وجنّد قواتها لمحاربته ، يمارس الآن على أرضها ،وبتغذية من رئيسها "ترامب "، وبصورة هزلية إجرامية ومأساوية، لترسيخ العنصرية في المجتمع الأمريكي، الذي يعاني أكثر من أربعين مليون عاطل عن العمل ، مع جائحة " كوفيد-19 " كما ذكر ، وهذا أحد ضحاياها " جورج فلويد " لذلك انتفض الشعب الأمريكي منددا بالعنصرية، تذكرنا بانتفاضة الربيع العربي التي بدأت في تونس وامتد لهيبها في الكثير من الدول أشعلها " محمد البوعزيزي " الذي أحرق نفسه نتيجة شبح البطالة التي هيمنت عليه، فما يحدث في أمريكا هي تظاهرات مهمشين ومحرومين من أبسط حقوقهم ، في وجود نظام عنصري رأسمالي مجرم.أشعلها خنق المواطن الأمريكي " جورج فلويد " وهكذا تدور الدوائر. [email protected]