10 ديسمبر 2025

تسجيل

قطر وسباق الذكاء الاصطناعي

07 مايو 2023

ساهم أحدث جيل من نماذج الذكاء الاصطناعي في إحداث تحولات ملحوظة في قطاعات اقتصادية كاملة. وبالنسبة لقطر، هناك فرصة لتقليل اعتماد الاقتصاد على العائدات المتحصلة من صناعة الوقود الأحفوري عبر رعاية الشركات الناشئة والنامية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المستجدة الأخرى. ولبناء منظومة للشركات الناشئة المتخصصة في مجال التكنولوجيا الفائقة وشركات التكنولوجيا التي تسعى للنمو والتوسع، يحتاج القطاعان العام والخاص إلى العمل معًا لتحقيق هذا الهدف. وهناك استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي في قطر أصدرتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالاشتراك مع جامعة حمد بن خليفة ومعهد قطر لبحوث الحوسبة، تستخدم مفهوم الذكاء الاصطناعي + التعلم الآلي القابل للتفسير (AI + X)، الذي يسعى إلى دمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على النحو الأمثل في جميع جوانب الاقتصاد. وكانت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قد أطلقت برنامج "قطر الذكية" (تسمو)، المصمَّم لتطوير الاقتصاد الرقمي، في إطار رؤية قطر الوطنية 2030. وتهدف استراتيجية قطر الوطنية للذكاء الاصطناعي إلى التوسع في إنشاء الشركات الناشئة والشركات الشريكة للشركات متعددة الجنسيات. وكانت شركة جوجل قد أنشأت مركزًا إقليميًا للخدمات السحابية بمنطقة الخليج في دولة قطر خلال شهر مايو 2022. وتعكف استراتيجية قطر الوطنية على إنشاء شبكة من الشراكات تضم الأطراف المعنية الرئيسية مثل واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، ومنصة استثمر قطر، وشركة أُريدُ، وشركة ميتا، وشركة مايكروسوفت وهيئة المناطق الحرة. وتُعدُ جامعة حمد بن خليفة شريكًا استراتيجيًا آخر، إلى جانب مختبر الابتكار، وحاضنة الأعمال الرقمية، ومسرّعة تسمو، ووادي تسمو الرقمي. ويتميز وادي "تسمو" الرقمي بأنه عبارة عن مجموعة للابتكارات، وقد حدد 15 مجالاً من مجالات الأولوية لتحقيق النمو المحتمل المرتفع، بما في ذلك إنترنت الأشياء، وتحليل البيانات الضخمة، والأمن السيبراني، وتكامل الأنظمة. وقد تجاوزت استثمارات بنك قطر للتنمية في الشركات الصغيرة والمتوسطة حاجز 100 مليون ريال قطري لأول مرة في عام 2021. واشتملت أبرز ثلاثة قطاعات استثمر فيها البنك على قطاع التكنولوجيا الرياضية، ومشاريع إنترنت الأشياء، والتكنولوجيا المالية. وفي شهر مارس من العام الحالي، أطلق البنك منتجًا استثماريًا مشتركًا للشركات الناشئة، يتضمن استثمارًا بقيمة مليون دولار لكل صفقة يمولها البنك، واستثمارات من الصناديق المحلية والعالمية. ومن المهم للغاية إعلان مصرف قطر المركزي في شهر مارس من العام الحالي عن استراتيجية قطر للتكنولوجيا المالية 2023 لتعزيز التكنولوجيا المالية المبتكرة. ويمكن القول إن جميع هذه التطورات واعدة، ولكن الإعلان عن الشراكات هو الجزء السهل. ويتمثل التحدي الأكبر في ضمان أن تؤتي هذه الشراكات ثمارها، وأن تتوسع بعض الشركات الناشئة على الأقل بفعالية وتزدهر. ومن المثير للقلق أن تشهد السنوات العشر الماضية اضطرار شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا كانت قد بدأت أعمالهم في قطر للانتقال إلى البلدان المجاورة من أجل النمو؛ ونجاح أحدها في التحول إلى شركة ذات أرباح وأصول تقدر بملايين الدولارات. وقد رأينا البلدان المجاورة لنا تتقدم في مجال التكنولوجيا وتنجح في إنشاء منظومات مناسبة “Startup ecosystem" تمكن رواد الأعمال من الازدهار. وتحتاج استراتيجية قطر للذكاء الاصطناعي إلى التحديث، حيث أنها كانت قد صيغت في عام 2019، وهذه الأعوام الأربعة تُعدُ فترة طويلة في عالم الذكاء الاصطناعي. فقد أصبح استخدام الجيل الجديد من منتجات الذكاء الاصطناعي للنماذج اللغوية مثل Chat-GPT سائدًا منذ ذلك الحين. ويجب أن تتناول هذه الاستراتيجية أيضًا التحديات الأخرى التي تواجه الجهود الرامية لترسيخ مكانة دولة قطر باعتبارها مركزًا تكنولوجيًا، مثل القدرة على توظيف أفضل المواهب، وهي تحديات أبرزها رواد الأعمال. ويجب أن يكون هناك نظام تأشيرة فعال وسريع المسار يمنح الأولوية لاستقطاب المواهب من جميع الجنسيات، بناءً على الخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي والمجالات ذات الأولوية التكنولوجية المستهدفة. ومن بين الإستراتيجيات الأخرى التي يمكن أن تساعد في بناء المنظومة المحلية مفهوم القيمة المحلية المضافة “In Country Value ICV”، حيث تحدد دول أخرى في منطقة الخليج وجوب تخصيص ما بين 30 و35٪ من قيمة العقود التكنولوجية للقطاع العام للشركات المحلية. ويمكن إصلاح مقاييس تقييم القيمة المحلية المضافة في قطر لتوفير الحوافز المناسبة لتطوير الشركات في القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية بعقود مضمونة من الحكومة. وسوف يعني ذلك تحقيق عائدات ثابتة لتلك الشركات الناشئة من عقود القطاع العام. ويمثل الموقع عاملاً آخر في ازدهار هذه الشركات التكنولوجية. وتُعدُ واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا من المبادرات المتميزة، لكن منطقة مشيرب قلب الدوحة يمكن أن تكون أكثر ملاءمة بالنظر إلى الطبيعة الإبداعية لرواد الأعمال وموظفيهم، حيث يمكن أن يزدهر مؤسسو الشركات ومموليهم وشركاؤهم المبدعون في بيئة قريبة نظرًا لوجود الكثير من المناطق المشتركة والمقاهي والمطاعم وامكانية السكن في نفس المنطقة. وكانت شركة جوجل قد اختارت منطقة مشيرب قلب الدوحة لتكون المقر الإداري الرئيسي لمركزها الإقليمي للخدمات السحابية في قطر. وقد بدأت الحكومة في جذب مشاريع البنية التحتية التي تركز على البيانات “Data-focused infrastructure projects” وهي استراتيجية رائعة، ويجب ان تتوسع الاستراتيجية، وأن تحرص على بناء منظومة عالمية لأعمال الذكاء الاصطناعي باعتبارها من الأولويات الاستراتيجية. ويجب أن تكون هناك استثمارات كبرى، ودعم للمواهب، ومراقبة صارمة لتقييم العائدات التجارية والفوائد التي تعود على الاقتصاد. وتتمثل إحدى طرق استقطاب الشركات الناشئة في هذا القطاع في قيام جهاز قطر للاستثمار بإنشاء صندوق بقيمة 5 الى 10 مليارات دولار للاستثمار في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي بشرط أن تكون في قطر، مع وضع شروط لتوظيف المواطنين في 20٪ من الوظائف. ويجب أن يدخل الجهاز في شراكة مع صناديق استثمارية جريئة من الولايات المتحدة “Venture capital funds” تتمتع بسجل حافل في مجال دعم الشركات الناجحة، لضمان تطبيق عملية تقييم مناسبة للاستثمار واستراتيجية الخروج. وليس من المنطقي استثمار الملايين من الدولارات من صناديق قطرية في شركات ناشئة بالولايات المتحدة وأوروبا دون مطالبة هذه الشركات بنقل جزء من عملياتهم أو كلها إلى قطر. ومع انهيار بنك وادي السيلكون، شحت مصادر التمويل لهذه الشركات الناشئة وأصبح من السهل استقطابها إلى قطر. وتحتاج قطر إلى دعوة ودعم القطاع الخاص لإنشاء صناديق استثمارية جريئة للاستثمار في الشركات المحلية الناشئة، بما في ذلك شركات التكنولوجيا الفائقة. وكما نرى في الولايات المتحدة ودول أخرى، يمكن لرأس المال الاستثماري توفير التمويل لكل مرحلة من مراحل نمو الأعمال، بما في ذلك رأس المال المبدئي Seed capital للشركات الناشئة الواعدة، بالإضافة إلى التمويل على المستويات (أ) و(ب) و(ج) للشركات التي تثبت نجاحها ونمو حجمها. ويمكن أن تصل استثمارات السلسلة (ج) إلى عشرات أو مئات الملايين من الدولارات عندما ترسخ الشركة مكانتها وتبدأ في التحول إلى شركة عالمية. وستكون المرحلة التالية للعديد من الشركات هي طرحها للاكتتاب في عرض عام أولي في سوق قطر للشركات الناشئة او أسواق أخرى مثل NASDAQ. وتمثل شركة "سنونو" إحدى قصص النجاح، حيث أنها جمعت تمويلاً من السلسلة (ب) بقيمة 12 مليون دولار تحت قيادة بنك قطر للتنمية. وهناك فرصة تاريخية لكي تصبح قطر دولة رائدة عالميًا في الثورة الصناعية القادمة في العالم، بدعم من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، في ضوء توافر موارد مالية ضخمة بمنطقة الخليج ومشاكل التمويل السائدة في الغرب بعد انهيار بنك وادي السيليكون. وفي المقالات القادمة، سأناقش كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على القطاعات المختلفة، مع التركيز على قطاعات الخدمات المالية والرعاية الصحية والنفط والغاز والتعليم.