15 سبتمبر 2025

تسجيل

فص ملح وذاب

07 مايو 2023

بفضل من الله ومنته، وبعد مرور ربع قرن بالتمام والكمال، استطاع بومحمد أن يسدد آخر قسط من أقساط قرض الإسكان الحكومي، وأخيرا سوف يستطيع ان يحرر سند ملكية الأرض التي بنى عليها منزل العمر، وتسجيل ملكية البيت والأرض باسمه ويحصل على سند ملكية حرة دون رهن أو شرط، ولكن هيهات (وهناك دائما «ولكن» عندما تتعلق الأمور بالإجراءات الحكومية) فقد حدث له ما لم يتوقعه حتى كبار كتاب السيناريوهات الدرامية في السينما العربية والهندية.. استيقظ بومحمد باكرا كعادته، في يوم بالنسبة له ليس كباقي الايام التي مرت عليه خلال الخمس والعشرين سنة الماضية، فاليوم اكمل بومحمد سداد قرض الإسكان وأصبح باستطاعته التوجه أخيرا الى بنك التنمية لاستلام المستندات اللازمة ليبدأ في استخراج سند ملكية الأرض والمنزل، وقبل دقائق من بدء عمل البنك كان في طليعة المنتظرين للدخول بلهفة، وما أن فتح البنك بابه حتى اندفع سريعا واستطاع انهاء إجراءات البنك في وقت قياسي، حيث استلم سند الملكية وكتابا رسميا موجها الى إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل كإفادة بأنه استوفى سداد دينه الحكومي، وخلال دقائق توجه فورا الى احد مراكز الخدمات الحكومية لإنهاء استخراج سند ملكية جديد حر ليس عليه أي شروط رهن من مكتب التسجيل العقاري. استلم موظف التسجيل العقاري سند الملكية القديم وكتاب الإفادة من بومحمد ثم قال له «مبروك المخلاص طال عمرك (عبارة تهنئة شعبية تقال عند الانتهاء من امر ما)، لكن هذا سند أرض فضاء وعليها رهن من إدارة الأراضي فلازم تروح لهم وتقدم طلب رفع شرط الرهن وضروري تاخذ معاك شهادة إتمام البناء علشان تخلص بسرعة»، تفاجأ بومحمد من نصيحة موظف التسجيل العقاري، فهو لم يتوقع بأن هناك إجراءات أخرى يتحتم عليه فعلها قبل ان ينال مبتغاه، فقال « يا اخي ليش عيل بنك التنمية ما ارسل كتاب الإفادة لهم وبلغوني بهذا، طيب المشكلة الان ان شهادة إتمام البناء هاذي من 25 سنة وين ألاقيها؟ «، رد الموظف « والله ياخوي هذي ضرورية لأن شرط الرهن يزال بعد 15 سنة من اتمام البناء، فالله يعينك تراجع البلدية اللي تابع لها مكان اقامتك، اكيد عندهم نسخة من الشهادة «، شكر بومحمد الموظف وتوجه مسرعا الى مكتب البلدية المسؤول عن منطقته، وهناك توجه الى قسم الأرشيف وقابل احد الموظفين ودار الحوار التالي: بومحمد «السلام عليكم من فضلك ابغي نسخة من شهادة إتمام بناء لبيتي وهذا العنوان الوطني ورقم الكهربا»، موظف الأرشيف « وعليكم السلام، ان شاء الله، بس تذكر في أي سنة تقريبا «، بومحمد « والله يا اخي ما اذكر بس تقريبا من 25 سنة، يعني احنا الان في 2023 نقص منها 25 يعني تقريبا في بين 97 و 99 «، موظف الأرشيف « والله مشكلة «، بومحمد « عسى ماشر «، موظف الأرشيف « بصراحة مب كل شهادات إتمام البناء القديمة مؤرشفة، ويمكن نلقاها ويمكن لا، لأنه بصراحة هناك مستودعات مليانة بالأوراق لسنوات ماضية ماتم ارشفتها لحد الآن، لكن خلني ادور لك في الكمبيوتر». انتظر بومحمد نتيجة البحث وكأنه طالب ثانوية عامة ينتظر سماع اسمه في المذياع، وبعد ربع ساعة تقريبا قال « والله اعتذر منك ما لقيت شي، يعني شهادة إتمام البناء غير موجودة في النظام»، قال بومحمد « طيب والحل ؟ «، رد الموظف « مالك الا كهرماء راجعهم امكن عندهم نسخة»، قال «وإذا راجعتهم وما لقيت عندهم نسخة شبيصير ؟»، رد الموظف « والله ما ادري يا اخوي، راجع مدير الإدارة امكن هناك اجراء انا ما اعرفه»، شكر بومحمد موظف الأرشيف وتوجه الى مدير الإدارة والذي قابله بابتسامة جميلة وأنصت له واستمع لمشكلته، ثم قال له « والله هذي مشكلة لازلنا نحاول إيجاد الحلول لها، وراجع كهرماء «. خرج بومحمد من مكتب البلدية متوجها لمركز خدمة العملاء في كهرماء وفي ذهنه تدور تساؤلات كثيرة، فماذا لو لم يجد صورة الشهادة في كهرماء ؟ وأين ذهبت هذه المستندات الثمينة منذ تأسيس الوزارة؟ ولماذا ونحن في نهاية الربع الأول للألفية الثالثة لا يوجد لدينا نظام ارشفة وتوثيق شامل ومتطور؟ ولماذا هناك تفاوت في كفاءة التوثيق والأرشفة بين الهيئات والمؤسسات الحكومية المختلفة؟ وأخيراً الى متى نغفل عن أهمية الأرشفة والتوثيق؟