19 أكتوبر 2025

تسجيل

من هنا يجب أن نبدأ

07 مايو 2014

الطفولة.. بمراحلها المختلفة المبكِّرة منها، أو التي تمتد إلى سنّ اليافعين تحتاج إلى العناية والاهتمام الخاص لأنها باختصار تعني المستقبل.. سنقول هذا ونردده مرارا وتكرارا، استشعارا بثقل الأمانة.. ولكن أين أمتنا العربية على المستويين الرسمي والأهلي (الشعبي) من هذا الأمر.. تنشئةً وتربيةً وتعليماً وتثقيفاً وتوعيةً وتنميةً للمواهب والقدرات. الحديث في هذا الجانب مؤلم موجع، فالنقص كبير كماً ونوعاً مقارنة بالاحتياج.. وسأكتفي بالحديث عما يتصل في الجانب التثقيفي وتحديدا الجانب المتصل بأدب وثقافة وإعلام الطفل.. الإجابة سهلة يسيرة ولن تكلّفكم كثير عناء: ـ زوروا المكتبات وأكشاك بيع الصحف لتروا عدد مجلات الأطفال مقارنة بعدد السكان، كثير من الدول العربية لا تُصدِر فيها الجهات الثقافية الرسمية أو شبه الرسمية مجلات أطفال على الإطلاق، وعدد المجلات التي قد تصدرها جهات خاصة أو أهلية قد لا تتعدى الواحدة أو أصابع اليد الواحدة وأغلبها شهرية، أو نصف شهرية، وبعضها يتعثر أو يتوقف بسبب نقص الإمكانات. ولن أتحدث عن عدد النسخ التي تصدر عن كل مجلة من هذه المجلات، فهو بالعموم متواضع جدا، فبعض المجلات لا يطبع أكثر من 2000 أو 3000 نسخة، أما المضمون فالكلام عنه ذو شجون، ليس بسبب عدم توفر الإمكانات البشرية من كتاب ورسامين ومبدعين، بل لضعف الصناعة الموجهة في هذا الاتجاه، وغلبة الطابع التجاري والربحي لبعض الجهات أو قلّة الإمكانات المادية المخصصة لبعضها الآخر. ـ قلِّبوا جهاز تحكم قنوات التلفاز وجرّبوا أن تعدوا الفضائيات المخصصة للأطفال والناشئة، ستجدون واقعا أشد بؤسا من الصحافة الموجهة لهذه الشريحة، فهي أشد ندرة أولا، وعادة ما تبدأ بطموحات كبيرة وآمال عريضة سرعان ما تتقزم وتتقلص إلى مواد قليلة وبسيطة ومكرّرة ثانيا، وغالبا ما يغلب عليها طابع الأناشيد والأغاني، أو المواد المترجمة والمدبلجة.. وقليلا ما تجد فيها البرامج والمواد المنتجة من قبل القناة، أو المواد التفاعلية التي تتابع وتلاحق المستجدات وما أكثرها.. على سبيل المثال لا الحصر...التطورات التقنية والقفزات المتلاحقة في مجال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.. ولن أتكلم عن أمور مهمة أخرى كغلبة العامية في لغة حديث كثير منها على الفصيحة، والطابع العائلي لمنتجاتها، والنزعة التجارية التي تسود أداءها، والأخطاء في المعروض التي تمسّ القيم، بعكس ما يحرص المجتمع على بنائه في نفوس الأطفال ليكونوا سياجا حصينا للأمة. القنوات المحترمة كقنوات "جيم" للأطفال في قطر قليلة جدا في عالمنا العربي، والبرامج المشتركة شبه معدومة، نكاد لا نجد لها أثرا بعد تجربة "افتح يا سمسم". ـ لو انتقلتم معي إلى كتب الأطفال.. فالكتب التي تلتزم نصوصها ورسومها بمعايير مهنية وتطبع بمواصفات طباعية راقية هي الأخرى محدودة جدا، وللتدليل على ذلك سأكتفي بالإشارة إلى أمرين الأول محدودية كتب الأطفال التي تصدر عن مؤسسات حكومية في عالمنا العربي، والأمر الآخر هو (دليل عربي 21) الذي صدر عن مؤسسة الفكر العربي نهاية العام الماضي، وتضمن عرضاً لـ (1021) كتاباً للأطفال وفق معايير وضعها نخبة من الخبراء المتخصصين في عدة دول عربية، من خلال عقد عدد من ورش العمل والدورات التدريبية، لتساعد الآباء والمربين على اختيار الكتب المناسبة لمستوى أطفالهم مما يشجعهم على القراءة دون ملل أو عجز عن استيعاب المقروء.. المهم أن هذا الكتاب الذي يغطي عامين ـ كم أتذكر ـ لم يتضمن سوى تعريف بـ 1021 مؤَلَفا فقط، صدرت عن إحدى عشر دار نشر تمكنت من تحقيق هذه المعايير فقط، في خمس أو ست دول عربية، والدلالة واضحة. ـ وتبعا لهذا الواقع لا تستغربوا أن يكون كتّاب وشعراء ورسامو ومنتجو برامج الأطفال، وبخاصة المبدعون منهم محدودين للغاية، نظرا لأن الكتابة في هذا المجال " لا تؤكل عيش " كما يقول المثل الدارج، بسبب محدوديتها، وعدم القدرة على التفرغ لها، والتقدير الذي تحظى به. بينما يفترض أن تكون صناعة الكتابة والإنتاج للأطفال ذات شأن كبير تدِّعم الأسرة والمدرسة والنوادي، في تربية الأبناء وتعليهم وتثقيفهم وتوعيتهم وتنمية ملكاتهم وتكوين شخصيتهم، وتقديم الدعم اللازم لذوي الاحتياجات الخاصة منهم.ـ كثير من مواهب أطفالنا تموت في مهدها، لأنها لا تجد من يعنى باكتشافها، أو يسهم في رعايتها وصقلها، أو الأخذ بيدها حتى تستوي على سوقها.. والسبب قلّة المبادرات التي تهتم بهذا الجانب، وعدم وجود مؤسسات تعنى بهذه الطاقات والقدرات، وحتى وإن وجدت فهي ضعيفة في قدراتها، فردية في جهودها، متعثرة في خطواتها..لا تجد تنسيقا فيما بينها، كما تتصف بالاستدامة والتحديث، أو تحصل على الدعم المطلوب لتتمكن من الاستمرار والتطوير، كما لا يحصل الأطفال الموهوبون على ذلك ليتمكنوا من تجسيد إبداعهم على أرض الواقع. رأيت بأم عيني كيف مات مشروع كبير كان يعنى بتنمية المهارات الإعلامية عند الأطفال والفتيان في قطر عربي، لمجرد تغيير الإدارة القائمة على المؤسسة المعنية بذلك، رغم ما بذل فيه من جهد وإمكانات. ثمة جوانب كثيرة أخرى لا يختلف حالها عما سبق إيراده مثل المؤتمرات المختصة بالطفولة، والجوائز التقديرية والتشجيعية الخاصة بقصص وروايات وأشعار وأغاني ومسرحيات وألعاب ومشاريع ومبادرات الأطفال.. والقائمة تطول.ترى هل حان الوقت للانتباه إلى عالم الأطفال وما يعنى بهم بحقّ،من أجل التأسيس لبداية مستقبل عربي مشرق ومزدهر، بعيدا عن ما يعانيه حاضرنا من آلام ونكبات وتخلف وقصور؟!