10 سبتمبر 2025

تسجيل

نحن والضعف

07 مايو 2012

كان أضعف من أن يبدي رأيه ويعبّر عما يريد، أضعف من أن يرفض كل ما يرفضه داخله، يعود إلى منزله ليرى قرارات زوجته وقد صدرت وأصبحت على وشك التنفيذ وهي تجر حقيبتها لتقضي بعض الوقت مع صديقاتها خارج حدود الوطن، ويجد نفسه مبتسماً ابتسامة الخنوع وهي تملي عليه ما يتوجّب أن يقوم به من مهام خلال غيابها، يستسلم للصمت والضعف غير قادر على التعبير أو التغيير، وعندما تعود للوطن يبتسم لها استسلاماً لا سعادة، ويعود يقلب صفحات متشابهة من حياته يرفضها جميعها مندساً داخل ضعفه خوفاً من أشياء كثيرة قد تقلب موازين حياته رأساً على عقب فيفقد منها ما يفقد، ويأسف على ما يأسف. ولأن حدود الصبر قد استنفدت داخله، خرج ذات يوم ذلك المارد المختبئ داخل الضعف ليسلخ ذلك الجلد السميك ليقول كلمته ويبدي رأيه، ليقبل ما يقبل ويرفض بإصرار ما يرفض، ويصدر الأوامر ويسن القوانين في البيت، ولأوّل مرة يكتشف قدراته وإن ذلك لم يكن ليصعب عليه أبدا، وليكتشف أمرأ أكبر من ذلك بكثير، وهو أنها لم تكن أقوى منه أبدا. نعتقد أحيانا أن الضعف هو الجلد الذي يكسو أجسادنا ولا نستطيع أن نسلخ أنفسنا منه، نعتقد أننا ضعفاء جداً للدرجة التي قد تجعل العمر يمرّ بنا طويلاً ونحن محتمين بضعفنا، أما الرعب كل الرعب هو أن نتخيّل فقط أن نتجرأ يوما ونخرج أنفسنا من دائرته. أعتقد أن مرور الوقت أيضا قد يجعلنا نكتشف أنفسنا من جديد، وإن خوفنا ما هو إلا وهم يسكننا وإننا أقوى مما نتصور وإن قدرتنا على مواجهة الأشياء التي نهابها لا حدود لها، وإننا نحتاج إلى تجربة أولى لا بد أن نخوضها كي نعرف بعدها كم نحن أقوياء وكم ما قد نخافه لا يستحق كل ذلك الخوف.. أذكر أن أحد الطلاب الذي كان في سنته الأخيرة من المرحلة الثانوية قال لي إن مدير مدرستهم الجديد عاقب تلاميذ الفصل لأنهم ذهبوا إلى المقهى الذي يقع داخل أسوار مدرستهم في الفترة المخصّصة للغداء، وإن التلاميذ أبدوا ضيقهم على عدم السماح لهم، وإنه كان دائما ما يعترض بأنهم ليسوا أطفالا وإن من حقهم أن يذهبوا لذلك المقهى لأنهم يفضلونه، لكنه كان خائفا من ملاحقة مديرهم وتوبيخه لاختراق قوانينه، فما كان منه يوما إلا أن سأل المدير عن أسباب رفضه وأين الجريمة في أن يستمتع الطلاب الكبار في اختيار المكان الذي يفضلون الجلوس فيه خلال يومهم الدراسي الطويل داخل أسوار المدرسة، وفي اليوم الثاني تفاجأ جميع الطلاب باستدعائهم لاجتماع سريع طلبه المدير، ليبلغهم فيه أن ارتياد مقهى المدرسة الخارجي أصبح أمراً مسموحاً، ولهم حق اختيار الذهاب إليه أو عدمه، أما الطلاب فقد أيقنوا أن مديرهم لم يكن سيئا أو متسلّطا، وإنه كان يتوجب عليهم أن يخرجوا من ضعفهم وخوفهم ليبدوا له وجهة نظرهم بكل أدب واحترام. هناك عشرات الأمور في حياتنا تستدعي منا أن نخرج من ذلك الضعف الذي فرضناه على أنفسنا بإرادتنا وصدقنا بأننا لا يمكن أن نخترق دائرته. أشياء يجب أن ندركها في حياتنا كي نستطيع أن نخرج من ضعفنا ونكتشف قدراتنا، أساسها أننا لسنا مضطرين لتحمل الكثير، ولسنا مضطرين لقبول ما نرفضه، وليس التعبير عن أنفسنا وعن رغباتنا جريمة. لا شك أننا نستطيع أن نعبّر ونستطيع أن نغيّر، لا شك أننا نملك الكثير من القوة والقدرة، لكننا أحيانا نكتشفها متأخرين، متأخرين جدّاً حين يذهب العمر وحين لا يجدي أن نعيد اكتشاف أنفسنا.