29 أكتوبر 2025
تسجيلفي صحيح البخاري قَالَ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ — تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ — فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ»(المِهنة): الخدمة. وهذه الخدمة من مجموع الروايات كالآتي:"«كان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه ويحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويعلف ناضحه ويقمّ البيت ويعقل البعير ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق» لكن رغم هذا كله - إذ ليس هناك ما هو أهم من الصلاة، وشغل الخلق مهما كان لا يتقدم ولا يُقدم على ما شغلنا الله تعالى وتعبدنا به ولذا جاء في الحديث "فإذا نودي بالصلاة - خرج - كأنه لَمْ يعرفنا"الروايات كلها تقول خرج.أي إلى الجماعة، وهذا كان دأب الرسول عليه الصلاة والسلام فعن النُّعْمَان بْن بشير، رضي الله عنهما - صليت مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ مراراً، كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سَمِعَ النداء كأنه لا يعرف أحداً من النَّاس. قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى - المقصود أن الصلاة إذا أقيمت والإنسان فِي شغل بعمل شيء من مصالح دنياه، فإنه يدعه - ويقوم إلى الصلاة، إماماً كَانَ أو مأموماً. ولم يثبت أبدا أنه صلوات الله وسلامه عليه صلى صلاة مكتوبة بلا جماعة، فالأعذار التي يباح معها التخلف عن الجمعة والجماعة منها ماهو عام ومنها ما هو خاص وأنت لا تعدم بصيرة تميز بين العام منها والخاص، وهاك هذه الأعذار الشرعية: (1)شدة وحل بحيث يضطر معها أواسط الناس إلى خلع النعال (2) شدة مطر يضطر معها أواسط الناس إلى تغطية رؤوسهم عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ. فَقَالَ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ — يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ، يَقُولُ: "أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ " وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فلاَ تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ. فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ " فهذا دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار كالريح الشديدة ليلا، والبرد الشديد ليلا ونهارا، والظلمة الشديدة، ومثل البرد الشديد الحر الشديد ظهرا، ومثل المطر الشديد الثلج والجليد وأصل ذلك كله وشاهده الحديث الصحيح عن العبادلة ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وسائر الصحابة أجمعين (3) مرض معد كجذام يتضرر الناس به. فإن وجد مكاناً تصح فيه الجمعة بعيداً عن الناس أداها فيه وإلا سقط عنه شهودها ويؤديها ظهراً، شاهده ما ورد من أنه كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ. - الذين قدموا لمبايعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رَجُلٌ مَجْذُومٌ — فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، (ارْجعْ فَقَدْ بَايَعْنَاكَ). قال القاضي: قالوا: ويمنع من المسجد، والاختلاط بالنَّاس. قلت: ووقت البيعة أقل من وقت كل من الجمعة والجماعة ومع هذا قال له صلوات الله وسلامه عليه "ارْجعْ فَقَدْ بَايَعْنَاكَ " هَذَا مُوَافِق لِلْحَدِيثِ الْآخَر فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: (وَفِّرْ مِنْ الْمَجْذُوم فِرَارك مِنْ الْأَسَد) والفرار من المجذوم والابتعاد عنه - كما فى الحديث الذي استشهدنا به هنا - ليس من باب العدوى في شيء بل هو لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من جسد لجسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة ولذلك يقع في كثير من الأمراض في العادة انتقال الداء من المريض إلى الصحيح بكثرة المخالطة. قال ابن قتيبة المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ومضاجعته وكذا يقع كثيرا بالمرأة من الرجل وعكسه وينزع الولد إليه ولهذا يأمر الأطباء بترك مخالطة المجذوم - لا على طريق العدوى - بل على طريق التأثر بالرائحة لأنها تسقم من واظب اشتمامها قال ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا يورد ممرض على مصح لأن الجرب الرطب قد يكون بالبعير فإذا خالط الإبل أو حككها وآوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه وكذا بالنظر نحو ما به. ( 4) مرض يشق معه الذهاب إلى المسجد لقوله تعالى:"وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج" وقوله:"مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَج " أي من ضيق في الدين فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر قال تعالى: {يُريدُ اللّه بكُم اليُسْرَ وَلاَ يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ} ولأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما مرض واشتد عليه المرض تخلف عن المسجد وكان موضع صلاة المكتوبة له صلوات ربي وسلامه عليه، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". (5) تمريض لقريب كزوجة أو ولد ولو كان عنده من يقوم به، أو أجنبي كصديق إذا لم يكن عنده من يمرضه ويعنى بشؤونه، لأن دفع الضرر عن الآدمي من المهمات المشروعة، ولأنه يتألم على القريب أكثر من تألمه لذهاب المال، ومثل القريب الزوجة والصهر والصديق وسائر من ينطبق عليه الوصف والحال والضابط عدم وجود متعهد بالرعاية والعناية. (6) شدة المرض على قريب كزوجة أو ولد، وأولى إشرافه على الموت أو موته بالفعل ومثل ذلك الصديق الحميم المخلص (7) خوف على مال يضر به فقده، أو خوف على عرض أو على نفس، أو على دين كأن يخاف إلزامه بقتل شخص أو ضربه أو خوف غريم يحبسه، أو يلازمه وهو معسر، للحديث الآنف "عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتِّباعه عذرٌ قالوا: وما العذر؟. قال: "خوفٌ أو مرضٌ لم تقبل منه الصَّلاة الَّتي صلّى" (8) عرى لا يجد معه ما يستر به عورته بل ولو وجد ما يستر العورة ولكنه ليس من لباس أمثاله بأن كان يزري به لبسه ولما يلحقه من الخجل. وللحديث صلة بحول الله وقوته.