20 سبتمبر 2025

تسجيل

الإدارة وفائض الوظيفة

07 أبريل 2021

ما علاقة الإبداع بالمنصب؟، إذا اتفقنا على أن الإدارة علم وفن، فما هي الإضافة التي يمكن أن يقدمها الفن للمنصب؟، راودتني مثل هذه التساؤلات وأنا أتتبع ما كتب عن الراحل غازي القصيبي رحمه الله، لو استثنينا القصيبي كحالة إبداعية لما كتب عنه إلا اليسير كمسؤول أو وزير، لأن حتى إنجازه الوظيفي كان انعكاساً لحالته الابداعية. شفافية المبدع تجعل من المنصب حقل إبداع ومستودعاً من العلاقة الإنسانية، نبحث دائماً عن الكفاءة، وهو أمر مطلوب لكن لا يمكن توظيفها بشكل جيد ما لم تتحول إلى حالة إبداعية أو أن يرزق صاحبها ملكة الإبداع، الأمثلة كثيرة في جميع الدول. حدود السياسة قاتلة وقيودها ضغط لا يحتمل، وحده صاحب الملكة الإبداعية يستطيع أن يحول المنصب من مكتب بيروقراطي إلى ملتقى حوار وتبادل للرأي وإن لم يمتلك القرار الفصل، قضية المعاملة التي أشار إليها القرآن وربطها مباشرة بالدين فيها إشارة واضحة لتميز أصحابها، لأنها في الأساس حالة إبداعية، لذلك اختصر الدين كله بأنه المعاملة. كم مر على المناصب من رجال وكم طاف بالكراسي من مسؤولين، ولكن لا يذكر التاريخ إلا المبدعين، الإبداع في أساسه تجلٍ للحالة الإنسانية التي قد تصدأ بفعل نوازع النفس البشرية وانقلاب الشهوة على سمو النفس وشفافيتها. حدثني العديد ممن ساقتهم الظروف للعمل مع عدد من المبدعين فأشاروا إلى أن قسوة العمل وتراتيبه وحتى الغربة، كان وهجها خافتاً بقربهم، الإبداع هو فائض الوظيفة المطلوب، لا أدعو إلى إغفال العوامل الأخرى ولكن إذا وجد الإبداع والكفاءة كان الأمر في منتهاه. بالمقابل لابد من الإشارة إلى أن المنصب في أحيان كثيرة طارد للحالة الإبداعية، لأنه قد يكون من الصلابة والدغمائية، بحيث يعمل على قتلها أو تدجينها، هناك من المبدعين من يرفض المنصب وهناك من يحاول تثقيفه وهناك من يأمل في إصلاحه. على كل حال، الجميع يحمل ما يبرره، ولكن تبقى الحالة الإبداعية أقوى من المنصب، لأنها تمثل كينونة الفرد حتى مع انحيازها السلبي في بعض الأحيان، الإبداع أقوى من الوظيفة مهما حاولت هذا الأخيرة أن تحاصره أو تلجمه وأن تحد من قدرته على التطلع إلى داخل الإنسان بعيداً عن شكلانية المنصب وجدران المكاتب. ومجتمعنا الصغير ليس استثناء، فالحالة الإبداعية لدى العديد ممن تسلموا مسؤوليات ومناصب تركت بصمات لمن عمل معهم أو حتى من جاء بعدهم، شهد العديد ممن عاصرهم عملياً بأن العمل معهم كان فناً بامتياز، تحضرني بعض الأسماء ممن كان مبدعاً أكثر من كونه وزيراً أو وكيلاً أو مديراً، في حين لو رجعنا إلى تقاليد المنصب لتحول الأمر إلى سجل للحضور والغياب وتجهم وعبوس، وربما فوقية تدوس على المعاني الإنسانية ذاتها. [email protected]