08 أكتوبر 2025
تسجيلكائنات دقيقة متناهية الصغر، تستعصي رؤيتها على أنظار البشر، أحدثت انقلابا عالميا عاصفا وغير مسبوق، قلب موازين القوى، وصحح كثيرا من المفاهيم والممارسات المتجذرة في وجدان البشر ونفوسهم، وبلغ تأثيره درجة التخلي عن قناعات كانت راسخة وعصية على مجرد التفكير في ماهيتها ومدى صحتها وجدواها! وألجأ الناس الى تغييرات جذرية عاجلة، والعدول عن أفكار ونظريات وقواعد، تنظم شؤون الحياة العامة. أنظمة وكيانات سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى أصبحت عرضة للزوال، ليصحو العالم على صدمة داهمة تهدد عروش الأباطرة والقياصرة، وما كنا نعتبرها قوى عظمى، فإذا بها تتهاوى واحدة تلو أخرى. فسبحان من له الملك والقوة والجبروت. كثير من المترفين المنعمين، والأثرياء الباذخين صاروا يتمنون أن يعيشوا معيشة البسطاء الكادحين، والفقراء والمساكين، وغدا مجرد الخروج للتنزه حلما يراود جموعا غفيرة من المحجورين أوالمعزولين، والتباعد بين الأهل والأرحام والخلان أصبح خيارا واجب التنفيذ، ولا تسأل بعدها عن لقاءات الجمعة الطيبة في ختام كل اسبوع. أما السفر فكأنما صار ضربا من الخيال. هكذا تقتضي إرادة الله أن يلقن كبار القوم وصغارهم دروسا بليغة على يد جرثومة ضئيلة تسمى (فيروس كورونا) عجزت عن وقف خطرها المدرعات والدبابات والطائرات وراجمات الصواريخ وكافة أنواع الأسلحة، وعبرت الجرثومة الفيروسية أجواء العالم فلم تقدر على كشفها أجهزة الرصد الحديثة والرادارات الحساسة، (ولله جنود السموات والأرض، وكان الله عزيزا حكيما)، (وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكرى للبشر) لعلهم يتعظون ويعودون الى رشدهم. مصيبة وجائحة خطيرة، لكنها تحمل في طياتها دروسا وعبرا وفرصا ثمينة وفوائد جمة، فرب ضارة نافعة، ولعل ما نكرهه يحمل لنا بعده فرجا ونصرا واستفاقة كنا نحتاجها في كثير من شؤون حياتنا الدنيا، لتكون لنا جسرا آمنا نعبر به الى النعيم المقيم في الحياة الباقية السرمدية. فهل أدركنا أن الله يدعونا لنصحح مسارنا نحوه ونجدد علاقتنا معه سبحانه، وهل كان لزاما علينا أن نتعرض لهذا الوباء كي نصوب ما كنا نفعله من ممارسات خاطئة وعادات سيئة، طالما كررناها واعتدنا على فعلها لسنين طويلة، وهل كنا نجهل ما يجب علينا تجاه أهلنا واولادنا؟! ولماذا كنا مقصرين في أداء فرائضنا الدينية، وصلة أرحامنا والإحسان الى الفقراء والمساكين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر. وأين نحن من التضرع لله بدعاء القنوت عند النوازل، قبل انتظار ما ينتجه تجار الأزمات من أدوية وأمصال؟!. وهل يحتاج الصحيح الواجب إلى مصيبة داهية كي نتأكد انه كذلك؟!. وعلى صعيد الوظائف الحكومية هل أدركنا أن الالتزام بالوظيفة والدوام المكتبي، ليس فقط اثبات الحضور والانصراف بلصق بصمة الإبهام، أو مجرد الرد على المراسلات وتعميم المكاتبات والإجراءات الإدارية والتزلف عند هذا المسؤول أو ذاك؟!. وهل بالفعل صدقنا أن كثيرا من المهام التعليمية والإشرافية يمكن إنجازها في أماكن أخرى دون الحضور الى مقار العمل والمباني الحكومية؟!. وهل عرفنا معنى أن الوقاية خير من العلاج واقعا عمليا يتطلب الحرص على تطبيق أفضل إجراءات النظافة العامة والشخصية، واتباع العادات الصحية في الشراب والطعام والمنام والرياضة المنزلية، قبل تكلف الرياضة الاستعراضية. هذه بعض دروس الأستاذ فيروس، لمن اراد ان يعتبر ويتعظ وينجو بنفسه وأهله، وقانا الله وإياكم من كل وباء وبلاء. سائلين المولى عز وجل أن يكشف عن بلادنا وعن سائر عباده هذه الغمة ويفرج الكرب، ويهدينا سواء السبيل. [email protected]