09 أكتوبر 2025
تسجيلمن حسنات البقاء في البيت وملازمة الأسرة والتقرب إليهم بعد جائحة كورونا أنني تمكنت إلى جانب إنجاز مهامي الوظيفية "عن بُعد" أن أعود لممارسة هوايتي التي تركتها منذ زمن وهي القراءة التي استبدلتها الظروف بمحركات البحث والوسائل التقنية الحديثة وأصبحنا نسعى إلى البحث عن المعلومة بواسطتها ولم نعي قدرتها على استبعاد القراءة من جداول حياتنا اليومية. من الكتب التي تداعب شغفي الكتب التاريخية ولاسيما التي تتحدث عن حضارة الأمة العربية والإسلامية وما سطره علماؤها من إنجازات واختراعات علمية وطبية ما زالت آثارها باقية حتى ساعتنا هذه ولولاها لما وصلت العلوم والطب وباقي التخصصات إلى ما هي عليه الآن من تقدم، من أهم العلماء الذين يجب أن تستذكرهم البشرية وخاصة في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم هو الطبيب المسلم أبو بكر الرازي الذي وصفته المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه بأنه "أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق" وذلك في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب"، الذي تحدثت فيه عن إنجازات المسلمين في العلوم والطب وفضلها على باقي دول العالم. ومما يدعو للأسى أن الكثير من أبناء جيل هذه الأمة لا يعلمون بما حققه علماؤهم من إنجازات ونتائج علمية وطبية أضاءت سماء البشرية وأنقذتهم من الفناء وعدم الاستقرار، ومن أبسط الأمثلة على ذلك بأن العالم المسلم الرازي هو أول من أجرى التجارب المعملية على الحيوانات التي كان يجريها في غرفته البسيطة في مدينة الري بفارس، وكان من أوائل الأطباء الذين اكتشفوا الأمراض الجسدية الناتجة عن علل نفسية وألف كتاباً اسمه "الطب الروحاني" الذي يشرح فيه طبيعة العلل الجسدية، وللرازي ثروة علمية تقدر بـ 200 كتاب في الطب وغيره من العلوم تُرجمت جميعها إلى العديد من اللغات ومن أهمها اللاتينية، وجمع الرازي ملخصات علوم الطب السابقة من مؤلفات الإغريق، بالإضافة إلى ملاحظاته الشخصية عن تلك الاكتشافات في أشهر كتبه "الحاوي في الطب" الذي استفاد منه الغرب كثيراً ولأول مرة يُطبع في إيطاليا في القرن الخامس عشر. وحتى وصل لعامه الأربعين كان الرازي يدرس كل العلوم سوياً ولم يقرر أن يتخصص في الطب قبل أن يصل لهذا العمر، وعندما تخصص وبرع في هذا التخصص لم يكف عن السعي وراء التطوير وترك بصمته الشخصية على الطب حتى يصل إلى مبتغاه في تقديم كل ما تحتاجه البشرية جمعاء من أبحاث وعلوم ينعم بها ويزدهر. لدينا إرث من العلماء الذين ساهموا مع الرازي في بناء حضارة مشرقة ساهمت في ازدهار عالمهم الإسلامي والعالم كافة أمثال الزهراوي عالم الجراحة وابن سينا صاحب كتاب القانون في الطب والكندي وابن الطبري وابن رشد والإدريسي وابن النفيس وغيرهم من عشرات العلماء في الطب وسائر العلوم، وعندما أقرأ سيرة أحد هؤلاء العظام تنتابني الحسرة والأسى على ما نعيشه الآن من تخلف وهوان بعد أن كانت أمتنا تتقدم الركب وتُصدّر علومها وأبحاثها وأدبها وفلسفتها لكل العالم صرنا نترقب وعيوننا شاخصة لكل ما يخترعه الشرق والغرب من اختراعات وعقاقير ووسائل نقل وطيران وتكنولوجيا وتقنية حديثة، وأصبح لا هم لنا إلا ما يقوله قطاع كبير من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي من تفاهات وسفاهة. فاصلة أخيرة تصدّر الأطباء والممرضون والصيادلة ورجال الأمن والجيش والمتطوعون الموقف بصلابة وشرف منذ تفشي وباء الكورونا، ومن كانوا يزعجوننا بإعلاناتهم ومواضيعهم الفارغة من المحتوى من مشاهير السوشيال ميديا لم نرِ منهم إلا القليل، هم بالتأكيد سيعودون ولكن عندما يزول الخطب ويكشف الله عنّا هذه الغمة، حينها تذكّروهم جيداً وبأن من لم يظهر في الضرّاء فلا حاجة لنا له في السرّاء. [email protected]