14 سبتمبر 2025
تسجيلتضمنت المادة (245) من القانون المدني القطري مقتضيات التنفيذ الجبري؛ كما أوردت شروطه، ومن هذه الشروط شرط الإعذار؛ حيث جاء في نص المادة المذكورة، «يجبر المدين، بعد إعذاره، على تنفيذ التزامه تنفيذًا عينيًا، متى كان ذلك ممكنًا». واشترط الإعذار كذلك عند التنفيذ بمقابل (التعويض)؛ حيث تنص المادة (260) من القانون ذاته على أنه «لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين، ما لم يتفق الطرفان أو ينص القانون على غير ذلك». والإعذار هو إجراء يوجهه الدائن للمدين بصدد تنفيذ التزامه عينًا أو بطريق التعويض، بحيث يوضع المدين موضعًا متأخرًا أو في موضع التقصير في تنفيذ الالتزام. وبناء على النصوص السابقة، فإن الإعذار شرٌط للتنفيذ العيني أو بمقابل؛ إذ يجب على الدائن طالب التنفيذ الالتزام بإعذار المدين. والغاية من الإعذار تكمن في وضع المدين موضع التقصير في تنفيذ العلاقة العقدية، وإثبات هذا التأخير قانونًا، لأن المدين لا يوصف بالمتقاعس دائمًا إذا لم يقم بتنفيذ التزامه عند حلول أجل الوفاء؛ فقد يحمل ذلك على سبيل التسامح والتكرم من قبل الدائن، أو قد لا يصر الدائن على إتمام التنفيذ. وعلى هذا، فإن «القاعدة العامة أن الإخلال بالالتزامات العقدية لا يثبت إلا بعد أن يقوم الدائن بإعذار المدين بضرورة تنفيذ التزاماته». وتبين وتبرز الاختلافات بين القانونين المدني التجاري في شكل الإعذار وطريقته؛ فالقانون المدني استلزم شكلًا معينًا لإعذار المدين عند تأخره في التنفيذ، يتمثل في شكل الإنذار، أو في ورقة رسمية تقوم مقام الإنذار، أو أية وسيلة يتفق الأطراف عليها، وهذا ما نصت عليه المادة (261) من القانون المدني القطري، بقولها «يكون إعذار المدين بإنذاره، أو بورقة رسمية تقوم مقام الإنذار. ويجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد المسجل أو بأية وسيلة أخرى يتفق عليها». أما في القانون التجاري، فلم يقيد المشرع الدائن في آلية الإعذار وشكله، فنصت المادة (81) منه على أن «يكون إعذار المدين أو إخطاره في المسائل التجارية بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول، وفي حالة الاستعجال، يكون الإعذار أو الإخطار ببرقية أو ما يقوم مقامها». وهنا نجد أن شق المادة (81) يتضمن عرفًا تجاريًا، فهي من الأعراف التي تم تقنينها، فأصبح لها أثر إلزامي، وبناء على نص المادة المذكورة، يجوز أن يعذر المدين بإحدى الوسائل التالية: 1- كتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول؛ ومن العجيب أن يستلزم القانون الكتاب المسجل كطريقة من طرق الإعذار، فذلك يتنافى مع طبيعة المعاملات التجارية التي تقتضي السرعة والاستعجال، وان كنا نرى أنه ليس استلزامًا بقدر ما هو طريق له الأولوية في سلوكه. 2- البرقيات: وهو ما يعرف بالتلغراف، وتعد من الطرق التي أصبحت قديمة، وعفا عليها الزمن، وتستخدم للتواصل بين طرفين يبعد كل منهما عن الآخر؛ إذ يقوم المرسل بتنسيق الورقة وإرسالها إلى المرسل إليه في شكل ورقة مكتوبة، فيستلمها الأخير يدويًا. بل في القوانين القديمة يقصد بها التي ترسل بالبريد العادي الذي مازالت بعض الدول تتبعه وتعرف الجهة بهيئة البريد. 3- الوسائل الأخرى التي تقوم مقام وسائل الإعذار السابقة: وهذا الجزء من النص هو الذي يضفي المرونة والتحرر من الشكليات ويواكب العصر الحديث مما يتميز به من وسائل تكنولوجية. ووفقًا لذلك يمكن الإعذار عن طريق البريد الإلكتروني أو الهاتف أو الفاكس أو التطبيقات الحديثة. وما سبق يتماشى مع موقف المشرع القطري الأخير، حينما أصدر القانون رقم (24) لسنة 2017 بشأن العنوان الوطني، ونص في المادة (5) منه على أنه «تُعتبر الإعلانات القضائية والإخطارات الرسمية التي تتم على العنوان الوطني صحيحة ومنتجة لكافة آثارها القانونية». وتجدر الإشارة إلى أن الأطراف يمكن لهم استبعاد الإعذار، والاتفاق على عدم الحاجة إليه عند حلول أجل الوفاء، فيعد المدين معذورًا؛ لأن الإعذار مقرر لمصلحة المدين، وهذا ما نصت عليه المادة (262/1) بقولها أنه «لا ضرورة للإعذار في الحالات التالية: - إذا اتفق على اعتبار المدين معذرًا بمجرد حلول أجل الدين». إلا أننا نرى أنه يحبذ أن يكون الإعذار مكتوبًا ولو عن طريق الكتابة الإلكترونية درءًا للنزاعات وتسهيلًا لعملية الإثبات. وكما بينا سابقًا، أن علة التحرر من القيود الشكلية في الإعذار بالنسبة إلى المسائل التجارية، يكمن فيما تقتضيه الحياة التجارية من سرعة ومرونة وتبسيط، وذلك خلاف الإعذار في الحياة المدنية؛ حيث تعد الشكلية من الأمور المقبولة فيها، وتتناسب مع طبيعة تلك المعاملات.