11 سبتمبر 2025
تسجيللا شك أنكم تعرفون معنى كلمة (الإدمان) وهي كلمة تحمل شقين، فإما إدمان على فضيلة وخير أو إدمان على شر وسوء، ومع تعميم هذه الكلمة بيننا إلا أنني لم أر أسوأ من الإدمان على التصوير وتصوير أي شيء الأكل والفُسح والمناظر والسفر والزينة وكل ما يمكن أن يتخيله العقل حتى بات مرضا وأنا أعنيها جيدا، فما نراه اليوم بين الملايين من البشر ممن اعتادوا التصوير وتسجيل كل لحظات حياتهم حتى وصل الحال ما شاهدته أمس على الإنستغرام لمقطع يتحدث فيه عريس من جنسية عربية بانفعال وفخر أنه سوف ينقل في بث حي ومصور ومباشر يوم زفافه منذ بدايته حتى لحظة انفراده بعروسه في غرفتهما، فهل تتخيلون معي إلى أي درجة وصل الإسفاف بالبعض ؟! وإلى أي مرحلة وصلت درجة الإدمان للكثير ممن جعل من بيته وآل بيته محتوى ونافذة مفتوحة للعالم دون أي احترام لخصوصية أو حياء ؟! وإلى أي درجة وصل هذا الإدمان لدى فئة المراهقين الذين يجعلون من كثير من المشاهير أو من الذين اشتُهروا بتفاهتهم ولا محتوى لهم قدوة لهم بحيث جعلوا من أنفسهم مستنسخين لهؤلاء وبلا قيمة أو كرامة تذكر ؟! المصيبة أن مثل هؤلاء لا يخجل من أن يستغل شهر رمضان الذي لم يتبق له سوى أربعة أيام لتصوير حتى التمرة التي يفطر بها بعد أن صور سجادة الصلاة والمسبحة وربما المسواك وكتاب الله الكريم لتصوير دينه البريء منه ومن أفعاله لمجرد أن يصور فقط وهذا دليل على أن المرض قد تفشى فعلا في هذه الفئات التي لا تجد من يقول لأصحابها توقفوا عن إظهار مدى تفاهتكم وسطحيتكم وفتحكم لما وراء الأبواب المغلقة لتكون مادة مكشوفة للعالم وكأنهم ينقلون مشهدا أحق له أن يُنشر وأجدر بأن ينتشر فماذا يجري يا هؤلاء ؟! أين التربية التي تُمنهج فكر هذا الشخص من صغره فلا يركب الموجة التافهة ولا يجعل من خصوصيات بيته مسرحا مجانيا ليحضره الجميع ويرى ما يدور على منصته ؟! أين الفكر الذي يجب أن يقنن لدى هؤلاء المراهقين في تمييز ما هو قابل للتصوير ويكون لائقا بأن يُنقل مباشرة وما هو غير قابل لكل هذا وتغلبه الخصوصية والاستحياء من أن يكون مادة معروضة للبيع على رصيف المشترين الذين يمكن أن يتأثروا أيضا من طريقة عرض هذه البضاعة فيتمادى الآخرون في هذا الممشى وذاك الإدمان السيء فعلا ؟!. لا عجب إن زخرت موائد الإفطار هذا العام لمثل هؤلاء الذين يمكن أن يفتتحوها بجملة انفعالية (دعوني أصور ولا يمد أحد يده على الطعام) ولينشرها متفاخرا وكأن الطعام وجد ليتم التفاخر به والتسابق حول من يكون طعامه أكثر وألذ وأشد بذخا وإسرافا كما نجد بين الملايين اليوم حول العالم ممن دخل دوامة هذا الإدمان السيء ولا يمكنه الخروج منها خصوصا إذا كان يجني من وراء هذا مالا ويتكسب دخلا كما تفعل كثير من منصات وسائل التواصل الاجتماعي اليوم التي تعطي أرباحا لمن يخرج في بثوث حية ويرفع نسبة المشاهدة عاليا جدا فيصبح كل هذا بعدها عملا سهلا وممتعا ويُكسب مالا ومصروفا لمثل هؤلاء ممن بات الخروج في بث يتضمن فضائح أو سرد أسرار عن أطراف أخرى الوسيلة الأسهل اليوم لكسب أموال ممن يسمونها (الرزق الحلال) كما يحبون وصفها لإرضاء الصوت الخافت الذي يصدر من ضمائرهم النائمة تجاه مثل هذه الأفعال الشائنة لأنهم يعلمون ان البث لا يمكن أن ينجح ما لم يتضمن أفعالا أو أقوالا مخالفة لشرع الله ولقيم وعادات المجتمع لا سيما بين النساء اللائي يمثلن النسبة الأعلى في التصوير المندرج تحت ستار استعراض المفاتن وما شابه لمجرد أن تدر على نفسها المال وباي طريقة كانت لذا لا يمكن لإدمان التصوير أن يتوقف اليوم أو يخفف من وطأته ما لم يخرج جيل يطوي كل هذه العادات المجتمعية السيئة بخلق قويم وتربية سليمة لا تتأثر بإغراءات التكنولوجيا الحديثة ولا تخضع للغة المال الواقفة على عتبة وسائل التواصل الاجتماعي بأي مادة رخيصة تُعرض فتدر نقودا فمتى يأتي هذا الجيل ؟!.