20 سبتمبر 2025
تسجيلمع كل كارثة تحصل في أي بقعة من العالم، يهبّ أهل الخير لمساعدة بعضهم بعضاً، يبدو أن الأمر للكثيرين أن من يتصدر لهذه المهمة إنما يقوم بها لمساعدة إخوانه أو مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان بغض النظر عن دينه وهويته، لكن في الحقيقة والواقع إنما هو بذلك يساعد نفسه، فكل دولة وكل شعب معرض لمثل هذه الكوارث اليوم أو غداً، وربما تعرض لها في السابق، وقد يكون بذلك قد سبقه المتضرر ومتلقي مساعدات اليوم في ذلك، فكان أن قدم له مساعدات قبل المساعدات التي يقدمها اليوم لمتضرر اليوم. أتذكر ذلك حين أزور منطقة يلوا قرب اسطنبول حيث أهالي المنطقة نسجوا علاقات قوية ومتينة مع العراقيين المقيمين لديهم، بل إن العراقيين بشكل عام يفضلون العيش في تلك المنطقة على غيرها من المناطق، لأن مساعدات العراق أيام صدام حسين خلال كارثة زلزال 1999 التركية تم إرسالها إلى منطقة يلوا، وهو ما يجعل أهالي المنطقة يستذكرون ذلك مع رؤيتهم لكل عراقي، فحصد أهل العراق بذلك اليوم نتيجة فعلهم بطيب وسهولة الإقامة في يلوا، ولا يزالون، ولذا فما كان يردده كبار السن في بعض البلدان بأن عليك أن تعمل وترمي في البحر، غير دقيق، بل وخاطئ، فكل ما تفعله ستلقاه في الدنيا قبل الآخرة. وما زلت أتذكر حين رافقنا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لزيارة متضرري كارثة فيضانات باكستان، والتي كانت قد اقتلعت البيوت من أماكنها وشردت الملايين من أهل تلك المناطق، فقد حرص الرئيس التركي يومها على مساعدة المتضررين، وحين قدم لهم المساعدات والإغاثات قال لهم إن ما نقوم به هو رد لجميل صنيعكم يوم وقفتم مع الخلافة العثمانية في أواخر عهدها، ومعلوم تاريخياً أن مسلمي الهند وباكستان أقاموا يومها حركة الخلافة من أجل مساعدة الخلافة العثمانية في مواجهة خصومها. كل هذا يذكرني بقصص وحكايات كثيرة عن مساعدة دولة أو شعب ما لمتضررين، ليصبح بعد فترة المتضرر هو الداعم، والأخير هو المتضرر، ولذا نشر البعض وتأكيده على أن دولته أو جماعته قدمت دعماً لأخرى، أو شعباً ما قدم دعماً لمتضررين في فترة زمنية معينة، لا يمكن التفاخر به على سبيل المنّ والأذى بقدر ما ينبغي أن يكون على سبيل الدعم طلباً لرضا الله تبارك وتعالى، فالناس لبعضها كما يقولون، والكل معرّض أن يكون في نفس الموقف، فمثل تلك المصائب والكوارث ليست مقتصرة أو محصورة على شعب معين أو جماعة معينة. حالة الأخوة التي تجلت في كارثة الزلزال السوري على مستوى السوريين أنفسهم المنكوبين، أو على مستوى تعاون وتكافل وتضامن الدول العربية والإسلامية مع السوريين كانت لافتة، فالسوريون لم يبلخوا على بعضهم بإرسال حتى مؤونتهم للمتضررين، ولم تبخل بعض العشائر العربية في إرسال كل ما تملك إلى أهلها المتضررين، بالإضافة إلى تضامن الشعوب العربية، فقد رأينا الوفود الباكستانية التي هبت لمساعدة المتضررين في الشمال السوري المحرر، إن كان على المستوى الطبي أو الإغاثي، والأهم من ذلك كله على مستوى الدعم المعنوي والأخلاقي لأربعة ملايين شبه محاصرين في الشمال السوري المحرر المنكوب، وقد كان لدعم الدول العربية والإسلامية وعلى رأسهم دولة قطر والمملكة والكويت أثراً طيباً في نفوس السوريين حيث كانت المساعدات تتدفق كما تدفقت من قبل، وكل هذا يجسد الأخوة الحقيقية بين الشعوب، بل وإن الدول والشعوب بذلك إنما تقرض بعضها بعضا، قد يسدد القرض في سنوات وعقود وربما في قرون، نسأل الله أن يحفظ الجميع.