27 أكتوبر 2025

تسجيل

الذكرى التي لا يجب أن تموت

07 مارس 2023

سألني ابن شقيقي بعفوية وبحديث عامي أنقله لكم بالفصحى: هل ستكون هناك كأس عالم أخرى في قطر؟، تعجبت حقيقة من سؤاله وهو الذي لم يتجاوز من العمر ست سنوات فقط فأجبته بطريقة السؤال للاستيضاح: ولمَ تسأل ونحن لم نكد ننتهي من كأس العالم عام 2022 منذ شهور قليلة؟، فأجاب سريعاً وبابتسامة جميلة: لأن كأس العالم كانت جميلة وبلادنا كانت منيرة جدا ويعلوها نشاط وحركة وناس وجنسيات بما معناه بالعامية اللطيفة التي قالها بكلماته الطفولية. فقلت له: ستكون لدينا كأس آسيا في بداية عام 2024 وهي بطولة أيضا إقليمية وكبيرة، فاستطرد متسائلا بسرعة: هل سيأتي رونالدو وميسي وسوف يلبسان البشت؟! لم أستطع إجابته من الضحكة التي اعترتني والعجب الذي سيطر عليّ حينها من طفل نظنه أنه بحسب عمره يمكن أن يفرح بحضور مباريات كأس العالم والفعاليات المصاحبة وينتهي الأمر بانتهاء كل هذا، لكن أن يأتي متذكرا كل التفاصيل ويحفظ الأسماء وقصة (البشت) التي باتت عالمية ومرافقة لتتويج منتخب الأرجنتين حينها كبطلة لكأس العالم والحاصلة على لقب بطولة مونديال قطر 2022 فهذا أمر لا يمكن توقعه من هؤلاء الصغار الذين يستطيعون فعلا أن يمرحوا وقتها ثم ينسى كل منهم ما كان. ولكن على ما يبدو أن ذاكرة الصغار لا يمكن أن تفوت حدثاً مثل هذا مر على منطقة الشرق الأوسط وتحديدا على بلادنا التي لا يزال شعبها ينظرون بعين الفخر لما تحقق وتم إنجازه. اليوم نحن بحاجة لشيء كبير اسمه التوثيق والأرشفة لكل صغيرة وكبيرة مرت في هذا المونديال، فالأمر بدأ يتلاشى حقيقة، وهذا أمر طبيعي أمام روزنامة قطر الكبيرة على الأصعدة السياسية والاقتصادية وأيضا الرياضية وما ينتظرنا بات يستحق اهتماما أكبر، ولا أظن الدوحة يمكنها أن تقف عند محطة واحدة ثم تجمد نقاط انطلاقها، ولكن في مستوى كأس العالم فإننا فعلا بحاجة لتوثيق على درجة كبيرة من الاحترافية والدراية والإلمام بكل ما حدث، لأن هذا سوف يكون جزءا من تاريخ قطر في يوم من الأيام، وهناك أجيال لم تحظ بمعايشة المونديال بالصورة التي تستشعرها بالدرجة الكافية، ولذا يجب أن يروا كل ما عايشناه نحن وعايشه من يكبرهم سنا بسنوات معدودة وشعر به ورآه، وهو توثيق يجب أن يكون مرئيا ومسموعا ومقروءا وألا يقتصر على الكتب الوثائقية التي عادة ما تسكن أرفف المكتبات ويسكنها الغبار وتُنسى كما يُنسى المئات من الكتب الموثقة والمؤرخة الموجودة في مثل هذه المكتبات الوطنية، لكننا نحتاج عند أي مناسبة تكون أن نستحضر الذاكرة ونظهر لهذه الأجيال وللعالم بأسره أن هذا البلد قد استضاف يوما مونديال كأس العالم وسبق دولا بعشرات السنوات الضوئية، وكان البلد العربي المسلم الوحيد الذي استطاع انتزاع هذه اللقمة السائغة من أفواه كانت أكبر حجماً وأكثر جوعا لها، وأنا أكتبها بكل فخر تشوبه بعض الحرقة إن كان هناك من يفكر بغلغاء أو إسقاط كل هذا من الذاكرة أو الإهمال في تعليم الأجيال الصغيرة التي لم تع جيدا أجواء المونديال من أن يقال لها يوما أنتم تعيشون على أرض كانت في يوم من الأيام موطناً لملايين المشجعين وأهم دولة في خريطة الكرة الأرضية لمدة 28 يوما من عام 2022 الذي اختتم بذكرى اليوم الوطني للدولة وبنهائي كأس العالم معا فكانت الفرحة أفراحا عشناها وسوف نستذكرها ولكن وثقوا ما مر لكي لا يأتي يوم نبحث في ثنايا ذاكرتنا فلا نجد شيئا وقد كنا الأحق بأن نتذكر ونستذكر الدرس جيدا .