18 سبتمبر 2025
تسجيليوماً بعد يوم تتكشف أوراقٌ جديدة في حصار دولة قطر، ويُفاجئ القطريون العالم بإنجازات حقيقية وليس كلاماً للاستهلاك الإعلامي، وما برنامج (ما خفي أعظم) إلا حلقة من حلقات كشف خفايا المؤامرات والتدخلات الخفية في الشؤون الداخلية لدولة قطر، وهو الاتهام الذي ساقته دول الحصار ضد دولة قطر. ولقد اهتزت "عروش" ليلة بث الحلقة يوم 4 مارس على قناة الجزيرة. فقطر لم تستجدِ أحداً، ولا حتى رئيس الولايات المتحدة، من أجل حل الأزمة، كما صرّحت بذلك بعض الأقلام في دول الحصار، تعليقاً على حديث الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بأن يحلَّ قادة دول التعاون مشاكلهم، وإلا ليس هناك داعٍ لكامب ديفيد، وهو الاجتماع المقترح للقاء الرئيس الأمريكي بقادة التعاون. وللرد على ما جاء على لسان بعض الصحافيين في دول الحصار، فإن دولة قطر ما زالت متمسكة بالوسيط الكويتي سمو الشيخ صباح الأحمد، والذي ارتضته دول الحصار ليكون كذلك، ولكنها أدارت ظهرها بعد ذلك الالتزام. وما نود التأكيد عليه هو أن يستمر نُبل الخطاب القطري، كما دعا إلى ذلك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في أكثر من مناسبة. وهذه مناسبة للتذكير بأهمية تواصل هذه الروح المتسامية فوق جراح "الأشقاء" بعيداً عن روح التجريح والتشفي واللغة التي لم تتعود عليها الأذن الخليجية. وكما قال مغردٌ قطري (نحن نحترم كل العائلات الحاكمة في الخليج) فنحن أيضا نعتز بالتاريخ المشترك لهذه العائلات والشعوب الخليجية التي رضعت الحب والاحترام والكرم. ومنذ بدء الأزمة المُفتعلة، وشيوخنا ووزراؤنا يكررون كلمة الخير والمحبة والجلوس إلى طاولة العقل، وحتى لو خرج بعض المغردين – انفعالًا لبعض المواقف التي بدت من مغردين من دول الحصار – عن تلك الروح، فهذا ليس تعبيراً عن كل القطريين، كما أن الإعلام القطري لم يقابل الإساءات التي ظهرت ضد القطريين ورموزهم في الإعلام الخليجي أو الإعلام المصري، حيث شاهد الملايين حلقات "الردح" في البرامج الحوارية، في تجاهل تام لروح المسؤولية المهنية من قبل المعدين والمذيعين. ولقد تجسّد نُبل الخطاب السياسي القطري في تصريحات ومؤتمرات سعادة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي استطاع بنبرته الهادئة، وقوة حجته، وعدم انفعاله، أن ينقل الحقيقة كما هي للرأي العام العالمي، وأن يُفند بعض الالتباسات التي عششت في أذهان بعض الصحافيين والدبلوماسيين، دون أن يلجأ إلى الاستهزاء أو التحقير، أو أسلوب "الطنازة" التي لجأ إليها بعض المسؤولين في دول الحصار. إن عالم اليوم وأهله يؤمنون بدور العقل، وفي عالم السياسة يتم تطبيق (البراغماتية) الواعية، وليس أساليب التهييج والعزف على أوتار الشوفينية الوطنية، والعبث بتاريخ المنطقة وأهلها من أجل خلافات سياسية قد يأتي الوقت لحلها. كما تجسّد النُبل الدبلوماسي القطري في تصريحات سعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، في جنيف على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. فلقد حافظت السيدة أولًا على الأعراف الدبلوماسية، وعلى كينونتها كامرأة تحترم الطرف الآخر، وردّت بكل احترام على صحفي مصري، بعد أن رحبّت به وشكرته على توجيه سؤالين لها. كما أن ردودها الأخرى اتسمت بالوضوح وعدم التلاعب بالكلمات أو المراوغة في الإجابة، كما يفعل كثير من السياسيين، وإن كانت السيدة (الخاطر) قد دافعت بنُبل عن الموقف القطري، فإنها في ذات الوقت أتت بأمثلة دامغة، سواء في تجاوز دول الحصار للعلاقات الإنسانية أو الاقتصادية أو التعليمية أو الصحية، وأوردت أنه يوجد في دولة قطر حوالي 200 ألف مصري يتمتعون بكامل حقوقهم وأمنهم، رغم الموقف الرسمي للقاهرة من قضية حصار دولة قطر. أقول: إن وجود سعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر في وزارة الخارجية مكسبٌ للمرأة القطرية أولاً، ومكسبٌ للوزارة ثانياً، ومكسب للشعب القطري، وأتمنى لها التوفيق. كان الطبيب يحاول إلهائي عن النظر لموقع إبرة تحليل الدم التي سوف يغرسها في وريدي، قال: "ما هي نهاية هذه السياسة؟"، وكان يقصد أزمة حصار دولة قطر! قلت له: إن من بدأ المأساة يُنهيها وإن من فتح الأبواب يُغلقها وإن من أشعل النيران يُطفيها". وهي جزء من أغنية (متى ستعرفُ) التي كتبها الشاعر الراحل نزار قباني، ولحنها الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، وغنتها نجاة الصغيرة. ضحك الطبيب من ردي، وقال: "ولكن من أشعل النيران قبض الثمن." ضحكنا، بعد أن نجح في إلهائي عن ألم الإبرة، لأن حرارة السياسة تغلبت على شراسة الإبرة. نعم يُعوّل كثير من المراقبين على أن حل أزمة الحصار بيد الولايات المتحدة، وأن (ترامب) قادر على إنهاء الأزمة، بالطبع حتى لو كان لذلك ثمن! وهو إن "قبض" في حال إشعار الحريق، فمن حقه أن يأخذ في حال إطفاء الحريق! إن استنزاف ثروة العراق لم يكن سببها وجود السلاح الكيماوي أبداً، بل كان عقاباً لـ (صدّام) وخوفًاً من استقوائه بتلك الثروة وقيامه بمغامرة أخرى مثل مغامرته في الكويت عام 1990، وكان لا بد وأن توضع اليد على تلك الثروة. واليوم يجتمع العالم في الكويت من أجل "التبرع" للعراق، وهو من الدول العربية الغنية جدًا. واليوم، ومن تداعيات وأسباب حصار دولة قطر يوجد مطلب مادي واضح لدى دول الحصار، وهو المطلب رقم (8) من المطالب الثلاثة عشر، التي أعلنتها دول الحصار بعد اجتماع القاهرة. ولا نستغرب أن تطالب الولايات المتحدة بـ "حصة" من ثروات الخليج، لأنه لا حماية دون ثمن! ولقد أعلن الرئيس الأمريكي هذه (البراغماتية) إبان حملته الانتخابية. لم أكن أريد الخروج من الموضوع الرئيسي، ولكن السياق حتم عليّ أن أشير إلى الموقف الأمريكي من الأزمة، وتبادر إلى ذهني سؤال: "هل العرب لا يمتلكون عقولًا واعية كي يُدخلهم الآخر في صراعات إقليمية، كي ينهب ثرواتهم؟" أعتقد بأن الشعوب العربية أولى بتلك الثروات، وأن الحفاظ على مستقبل الشعوب أهم من الاحتماء بعلاقات غامضة، أو التصريحات التي تُظهر الكثير من الغباء العربي، الذي لم تفد معه كل تلك الجامعات العتيدة، ومراكز البحث العلمي، ومكائن صنع الرؤساء! وليستمر النُبل القطري على كافة الأصعدة حتى آخر رمق من محاولات الإساءة للشعب القطري.