14 سبتمبر 2025

تسجيل

علامة استفهام كبرى لصمت العالم عن المجازر بسوريا

07 مارس 2012

ملّ الشعب السوري من لغة الشجب والتقريع ويئس من عبارات التنديد من قبل المجتمع الدولي والدول العظمى والإقليمية ضد النظام الأسدي فيما يواصل النظام قمعه الدموي وقصفه الوحشي له في عدد من المدن والمناطق، كما حصل في "بابا عمرو" بحمص، ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول إليه وبخاصة الغذاء والدواء وما يقيه من برد الشتاء، وكأنه ليس بيد هذا العالم سوى التفرج على الشعب السوري وهو يذبح وينزف حتى الرمق الأخير، أو يموت موتا بطيئا بسبب معاناة الناس الناجمة عن نقص الاحتياجات الإغاثية العاجلة التي يقيمون بها أودهم. احتجّ العالم بشدة على حصار المدن وقصفها، فما الذي جرى، لم يتوقف النظام بل استمر بمحاصرة حمص لأشهر وبقصفها قصفا مكثفا مركزا قرابة شهر، إلى أن انتصر في " بابا عمرو " بعد أن حوّل الحي إلى أكوام من خراب ومناطق أشباح، ثم هاهو ينتقل إلى مدن أخرى ليواصل مشواره، ورفع صوته مستنكرا على المجازر ضد المدنيين العزل بالجملة والمفرق، وعلى قتل الأطفال والنساء ولكن هذا المشهد ما زال يتكرر ويتجدد، في تحد سافر لكل القيم والأعراف والشرائع والقوانين الدولية والإنسانية والشرائع السماوية. عبثا يحاول الصليب والهلال الأحمر الدوليين دخول منطقة "باب عمرو" المنكوبة منذ الجمعة الماضي، ولكن دون جدوى، وأقول لكم إنه لن يسمح لهما بذلك قريبا، لأن النظام يريد أن يواصل عملياته الانتقامية أولا، ثم إخفاء وطمس الإشارات المتصلة بجرائمه التي ارتكبها ثانيا، وعندها لن يبقى لعمليات الإغاثة أي معنى يذكر. على سبيل المثال لا الحصر ما الذي سيجدي الشعب السوري تصريح وزير الخارجية البريطانية نفعا ـ عمليا ـ والذي جاء فيه: "رفض المساعدة الإنسانية إضافة إلى عمليات القتل والتعذيب والقمع في سوريا تدل على أن النظام أصبح مجرما"، أو اتهام وزير الخارجية التركي لنظام الأسد بارتكاب " جريمة" لمنعه دخول المساعدات إلى المدنيين المتضررين من السوريين، وتصريحه بأن "المسؤولية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي هي توجيه أكثر الرسائل حزما إلى القيادة السورية والقول إن هذه الوحشية لا يمكن أن تستمر". لقد قال رئيس الوزراء التركي أردوجان محذرا النظام منذ أشهر أن تكرار مجزرة حماة التي وقعت عام 1982 سيكون خطا أحمر، ولكن النظام اقتحم حماة وعاث فيها فسادا وارتكب مجازر في حمص وإدلب، دون أن يعبأ بتحذيرات أنقرة التي خففت من لهجتها التحذيرية فيما بعد. صبر الشعب السوري طويلا وثورته توشك أن تدخل عامها الثاني بعد أسبوع وهو يبحث عن طوق نجاة لدى إخوانه العرب والمسلمين بل ولدى العالم الحر، فلم يجن سوى خيبة الأمل والمرارة، رغم عبارات الاستغاثة التي أطلقها ولا يزال، بدأ الأمر بالأتراك على النحو الذي شرحناه، ثم انتقل إلى بيت العرب الكبير (الجامعة) وبعد سلسلة تحضيرات واجتماعات تفصل بينها أزمنة متباعدة وبحث وإجراءات وشد وجذب مع نظام الأسد جاء المراقبون العرب ـ ويا ليتهم ما جاءوا ـ ولكن القتل تواصل بوجودهم، ثم أمّل السوريون خيرا بمظلة الأمم المتحدة والشرعية الدولية وركزوا على مجلس الأمن عسى أن يجدوا تحت غطائها منطقة عازلة فخذلهم الفيتو القبيح لروسيا والصين مرتين، وتعلقت قلوبهم بمجموعة أصدقاء الشعب السوري الذي التأم شملها في تونس فخرجوا من المولد بلا حمّص ـ كما يقولون ـ. إذن يقف العالم مشلولا ومكتوف الأيدي أمام مجازر سوريا، فلا هو أخذ على يد الطاغية الظالم، وأسقط نظامه بالقوة، ولا هو حمى الشعب من بطشه من خلال مناطق عازلة، بل ولم يستطع حتى توفير ممرات آمنة أو إدخال منظمات الإغاثة لانتشال الجرحى أو إسعافهم أو إدخال مواد الإغاثة الطارئة العاجلة إليهم. لقد فشل العالم في حماية الشعب السوري الأعزل فيما نجح في أماكن أخرى بما في ذلك حماية المسلمين من مجازر الصرب في البوسنة والهرسك، ولعل هذا ما دفع بالعاهل الأردني للقول بأن "سوريا هي علامة الاستفهام الأكبر في هذه اللحظة"، فيما الحقيقة تتلخص في غياب الموقف الأخلاقي المبدئي وطغيان البعد المصلحي أو التخاذل عن القيام بواجب الأخذ على يد الظالم ونصرة المظلوم والذي يتمثل في دعم دول تقف وراء نظام دمشق أو أخرى تدفع باتجاه عدم سقوطه لأهداف مصلحية ضيقة وهي: إيران (ومن لف لفها) وروسيا والصين وإسرائيل، وأخرى لا ترغب فيه وتخشى من تبعات وعواقب الانجرار لمواجهته أو مواجهة خصومه كتركيا وبعض الدول العربية، ويبقى الموقف الفريد الذي يفترض أن يبنى عليه هو موقف المملكة العربية السعودية ودولة قطر بوجوب تسليح المعارضة للدفاع عن نفسها واعتبار ذلك أمرا مشروعا. يبدو الغرب غير متشجع أو مستعجل لمساعدة السوريين في محنتهم لأنه يصطدم بعدم رغبة إسرائيل بزوال نظام الأسد الذي أمّن جبهة حدودهم خلال عهدي الأب والابن، وبعدم رغبة إيران الذي تمد نفس النظام بالمال والسلاح والخبراء والقناصة في إطار تفاهمات على ما يبدو ليست بعيدة عن التي سرت بينهما عند احتلال العراق. وأمام واقع كهذا ليس أمام الشعب السوري الثائر سوى الاتكال على الله، واستحضار معيته وقوته، وتعليق النصر والحسم بمشيئته وإعذار أنفسهم في كل وسيلة للدفاع عن أنفسهم، والتفاهم من يدعم هذا الحق من أشقائهم، ولتكن ثقتهم بربهم أنه سينصرهم لا محالة فجولة الباطل ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة، نصرهم سيكون مهما بإذن الله لأنهم لا يواجهون النظام فحسب بل من يقف وراءه بكل أحقادهم ولؤمهم، ولأنه سيغير كثيرا من المعادلات في المنطقة.