17 سبتمبر 2025

تسجيل

سيادة القانون... أو الفساد

07 فبراير 2024

يبدو أن العالم ينزلق نحو الفساد الممنهج، هكذا جاء في تقريره السنوي الذي أصدرته الثلاثاء الماضي منظمة الشفافية الدولية عن العام المنصرم 2023، فقد أوردت في التقرير أن معظم دول العالم، وللعام الثاني عشر على التوالي، لم تحقق تقدمًا يذكر في معالجة الفساد في القطاع العام، وأن أكثر من ثلثي دول العالم التي شملها التقرير سجلت درجات أقل من 50% على المؤشر الذي تتراوح درجاته بين 0 و 100 درجة، وأن ذلك مؤشر لوجود مشاكل خطيرة ومتجذرة. كما سجل التقرير علاقة وثيقة بين تراجع نظم العدالة وسيادة القانون في البلدان التي سجلت مستويات عالية من الفساد، وذلك أن التغاضي عن توقيع العقوبات على المخطئين ومرتكبي الأفعال غير المشروعة يشجع على المزيد من الممارسات الفاسدة ويقوض العدالة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال متابعة وتحليل تقارير مؤشر مدركات الفساد على مدى العقدين الماضيين، وفي السياق نفسه قال فرانسوا فاليريان، رئيس منظمة الشفافية الدولية: «سيستمر الفساد في الازدهار حتى تتمكن أنظمة العدالة من معاقبة مرتكبي الانتهاكات وإخضاع الحكومات للرقابة، وعندما يتم شراء العدالة أو التدخل فيها سياسياً فإن الشعوب هي التي تعاني، لذا ينبغي على القادة ضمان استقلالية المؤسسات التي تدعم القانون وتتصدى للفساد، لقد حان الوقت لوضع حد للإفلات من العقاب في الممارسات الفاسدة». والجدير بالذكر أن بعض الدول تقوم بجهود عظيمة لمحاربة الفساد، إلا أنها لا تقوم بما يكفي لإنزال العقوبة على الجناة الذين ثبتت عليهم جريمة استغلال السلطة أو تسخير المصالح العامة للمنفعة الشخصية، وغالبًا ما تغلق بعض ملفات الفساد بتسويات مجحفة في حق المال العام ومشجعة على المزيد من الانتهاكات، تلك التسويات غير العادلة تجهض جهود الدول في مكافحة الفساد وتنعكس سلبًا على وضعها في التقارير والمؤشرات الدولية ذات العلاقة. وقد احتلت الدول الإسكندنافية كالعادة المراتب الأولى في التقرير بجانب سنغافورة ونيوزيلندا، فهي اقل دول العالم من حيث انتشار الممارسات الفاسدة في القطاع العام، فجاءت الدنمارك في المرتبة الأولى من 180 دولة شملها التقرير بواقع 90 درجة من درجات المؤشر المائة، في حين احتلت ثلاث دول عربية المراتب الأخيرة، فقد جاءت جمهورية الصومال في المرتبة الأخيرة على الإطلاق وبواقع احدى عشرة نقطة فقط، وليس بعيدًا عنها اليمن وسوريا والسودان، وقد سجلت باقي الدول العربية درجات اقل من 50% عدا ثلاث دول هي: الإمارات التي احتلت المرتبة 26 عالميًا بواقع 68 درجة، تليها قطر حيث جاءت في المرتبة 40 عالميًا بواقع 58 درجة، ثم المملكة العربية السعودية التي احتلت المرتبة 53 عالميا بواقع 52 درجة. إن الفساد مشكلة عالمية تقوض الثقة وسيادة القانون وتعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويمكن أن يتخذ العديد من الأشكال، بما في ذلك الرشوة والاختلاس والمحسوبية وإساءة استخدام السلطة، وبحسب تقدير البنك الدولي فإن الفساد يكلف مليارات الدولارات كل عام، وغالبًا ما تتحمل المجتمعات الأشد فقراً وضعفاً العبء الأكبر، لذلك فإن محاربة الفساد يجب أن تكون أولوية قصوى للعديد من الحكومات والمنظمات والأفراد حول العالم. وقد علمتنا الأحداث ألا نعتبر المؤشرات الدولية منزهة عن الخطأ أو الأجندات الخفية، ولكن في المقابل ليس من الحكمة أن نرفضها أو نتجاهلها وذلك أنها مكان تقدير واعتداد من المجتمع الدولي خاصة من المستثمرين على كافة الأصعدة، لذا على الدول التي تسعى بجدية لمحاربة الفساد وأن تبدأ بإصلاح نظم العدالة وتعزيز سيادة القانون، لا أن تسعى لتحسين صورتها إعلاميًا بينما ينخر الفساد في مؤسسات الدولة.