26 أكتوبر 2025

تسجيل

مقــــالٌ قـد قـال كــل شــيء !

07 فبراير 2022

في مثل هذا الوقت يوم السبت الماضي كنت أكتب مقالاً يتحدث عن (ريان) الطفل المغربي الجميل ذي الخمس سنوات، وكنت أترقب حتى لحظة كتابة سطور ذاك المقال الخبر المفرح الذي سوف يبهج ملياري مسلم وربما مثلهم من أرجاء العالم تابعوا بكل شغف قصة سقوط الصغير في البئر الارتوازية العميقة في مدينة شفشاون المغربية وحتى لحظة انتشاله، وفعلا نُشر المقال بالأمس لكنه كان متأخراً بأكثر من عشر ساعات كان ريان فيها عبارة عن جثة مسجاة بلا حراك، حيث أعلن التلفزيون المغربي بعد أقل من دقائق معدودة من إعلان إخراجه من النفق عن وفاته فشق هذا الخبر لوحة سعادتنا التي لم تكد تكتمل وخيم الحزن على قلوبنا جميعا، وكأن هذا العالم الذي كان يترقب ويدعو بصلواته المختلفة على اختلاف دياناته وطوائفه قد توقف وصمت فجأة عن كل ابتهالاته التي صبها صباً لنجاة ريان الصغير الذي ظل يصارع الحياة لما يقارب خمسة أيام في ظلمة وبرودة وجوع وعطش وخوف ووحشة وتعب وإرهاق. ولكن كنا وحدنا نحن المسلمين من وقفنا بصبر ورضا وقلنا ما يرضي الله تعالى في احتساب المؤمن المفجوع الذي إذا أصابته مصيبة قال إنا لله وإنا إليه راجعون، لا سيما وأننا كنا نرقب والدي الطفل وهما ينتظران عند مدخل النفق في هدوء عجيب وكأنهما قد تلقيا الخبر باكراً عما تلقيناه نحن، وسلما أمرهما لله تعالى في صغيرهما الذي خرج من باطن الأرض وظلمتها لعنان السماء وفسحتها ولم يعد بالإمكان سوى انتظار جثة صغيرهما لتوارى التراب وتنتهي بهذا فصول أكبر ملحمة إنسانية عاشها المغاربة والعرب والمسلمون والعالم على مدار خمسة أيام، امتدت منذ عصر الثلاثاء الماضي وانتهت ليل يوم السبت الذي مضى، أثبتت بأن العالم لا ينتظر دعوات للاجتماع ولا أجندة أعمال ليناقشوها ولا بنودا لتتم المداولة فيها، ولكن العالم بحاجة لمن يوقظ الضمائر الحية فيه ببساطة وأن هذه الضمائر قادرة على أن توحد حدودها وشعوبها وحكوماتها ومصانع الأسلحة فيها وترسانتها العسكرية وجيوشها وتكون في بؤرة واحدة ضد أي ظلم نشاز يطرأ فيفسد أجواء هذه الكرة الأرضية وأن (ريان) الذي انعزل عن هذا العالم المخيف لخمسة أيام وخرج قبل أن يخبره أحد كيف وحد العالم من حيث اللغة والمشاعر والأمنيات والدعوات يمكن أن يخرج لنا ريان آخر في بلد ما ومكان ما وسوف يفعل ما فعله سلفه ولكن ماذا عنا نحن العرب الذين تعاطفنا بشكل غير مسبوق مع أزمة ريان الصغير رحمه الله ولكننا ما زلنا أمة متشرذمة يجمعها الطبل ويفرقها المزمار، ولم نفقه حكمة الله في كل ذلك الذي جعل العرب كلهم معلقين ومحبوسين في الحفرة التي علق فيها جسد ريان فقط، لأن روحه كانت حرة منطلقة في السماء الرحبة بينما كنا نحن المعتقلين والضائقين في حفرة ضيقة موحشة. وفور إعلان وفاة الصغير سريرياً غدا العرب كل شخص في شأنه وكأننا لم نكن في هذه الأيام القليلة جسداً واحداً كما قال النعمان بن بشير رضي الله عنه في حديثه الصحيح عن رسولنا الكريم أنه قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وسيكون ريان مجرد ذكرى مؤلمة عابرة ستطويها ملفات العرب المتخمة بآلاف من القضايا المؤلمة لأطفال العرب الذين لا يزالون في الظل ينتظرون من العرب أن يتعاطفوا ويفردوا خطب الجمعة ومنابر المساجد للتحدث عن قضاياهم قبل أن يكون مصيرهم مثل مصير ريان وفيهم أيضا من سبق الصغير ريان لكنه عاش ومات مهمشاً، فلماذا يا عرب لا تعطوا للطفولة العربية قليلاً من جهودكم وملفاتكم وأموالكم ووقتكم وجهدكم واجتماعاتكم، فربما لا يعود (ريان) آخر يعاني ويموت ولا (فواز) يُخطف ويُعذب ولا (دُرّة) يناضل للفرار من رصاص ينخل جسده ولا طفل رضيع مثل (أيلان) يهرب من جحيم نظامه فيبتلعه البحر ويرميه على ساحل أجنبي غريب ولا مئات الآلاف من أطفال العرب المهجرين والخائفين والجائعين والذين بلا وطن ولا أب أو أم ينتظرون عرباً جمعتهم حياة ريان وفرقهم موته. [email protected] @ebtesam777