13 سبتمبر 2025
تسجيلقرأت في الأسبوع الماضي بجريدة "الشرق" موضوعا عن أهمية البكاء للإنسان، وإن الإنسان الذي يبكي، هو من يتمتع بصحة نفسية وجسدية أكثر. فمن منا لا يبكي، فذرف الدموع هو من يخفف من وطأة الاكتئاب والحزن على النفس، ويغسل العيون والقلب، وقد يكون هو من يقوي الإنسان على ضعفه ثم يزيده قوة. وقد لاحظت عند الذهاب لتقديم واجب العزاء عند من أصيبوا بفقد أحد أقربائهم ممن يصعب فراقهم، ويعتصر القلب حزنا على رحيلهم، أن هناك من الناس من يبالغ بشدة في محاولة إيقاف دموع من أصيب بذلك الألم بأية وسيلة، معتمدا على أسلوب جاف يثير غضبي أحيانا، ففي أول أيام العزاء وأكثرها ألما، وجدت من تأمر بالتزام الهدوء والصمت، وأخرى تذكر بأننا مؤمنون وليس البكاء لمن يؤمن بقضاء الله وقدره، وغيرها تحدث بجدية بأن البكاء شيء لا يقبله الدين. وما أستغربه عند البعض أنهم يغفلون بأننا بشر ولسنا حجرا، ولنا قلوب ومشاعر، فقد بكى رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام على أبنائه وأصحابه من الشهداء. فالإنسان ضعيف بطبيعة خلقه، ولم يجعل الله تعالى الدموع لنا هباء، ولكن لتفريغ ما في النفس من آلام وتخليصها من ثقل الهموم والأحزان. فليس للإنسان مصادرة أحزان غيره ودموعهم، وكأنهم آلة من حديد يأمر فيطاع. وليس من السهل على الإنسان أن يكبح جماح دموعه وآلامه عندما يفقد من يحب. ومما لا شك فيه، أن الاستسلام للحزن الصامت هو بمثابة التدمير لنفس الإنسان، الذي قد يصيبه بالاكتئاب الشديد، الذي قد يحتاج بعده للعلاج الدوائي، بالإضافة الى تفريغ شيء من البكاء أيضا، تخفيفا لحدة هذا الاكتئاب. وقد قال أحد الفلاسفة مقولة طالما اعتقدت بها، وهي (إن الحب هو الدموع، وأن تبكي يعني أنك تحب). ففي حبك لله دموعك هي خشيته، وخشوع قلبك لآياته، وتضرعك عند دعائه. وفي حبك لنفسك دموعك هي من يطهرك، ويرفع عنك معاناة الشعور بالذنب وينقيك. وفي حبك لمن حولك فدموعك هي مشاركتك الحقيقية لهم في أوجاعهم وهمومهم. وفي حبك لمن فقدتهم فدموعك هي وفاؤك لهم، وما يواسيك لفراقهم. وما لاحظته في البعض إنهم يقاومون ويتجلدون بقسوة لمواقف تستفز العاطفة وتحرض على البكاء، ظنا منهم أن البكاء ذل وهوان، وإن التجلد قوة، لكن مما لا شك فيه أن للدموع سر يجب أن نفهمه، فهي من تصفو بها الروح. وفي رأيي أن الدموع ليست دليلا على الضعف الإنساني، وإنما هي رمز لرقي المشاعر وسموها ونقائها، ومن الانفعالات الحقيقية النابعة من القلب. وقد كنت أعتقد يوما ما عندما كنت صغيرة أن البكاء مقصور على النساء فقط، وأصاب بالدهشة عندما أرى الأبطال من الرجال يبكون في الأفلام القديمة، وقد كنت أعتقد بأنهم يبكون لأنها دموع لغرض التمثيل فقط، لكنها ليست حقيقة ولا تحدث في الواقع. لكن الحقيقة التي علمتها لنا الحياة بعدها، أن أقوى الرجال لا يستطيعون الصمود في وجه الدموع حين تكون الظروف أقوى منهم، وحين تقسو عليهم الأيام، وتلسعهم أحزان الحياة، فتكون الهزيمة هي حليفتهم في معركة التحدي معها. فلا بأس من بعض الدموع نذرفها في حزن أو فرح، تنقينا وترفع عن كاهلنا بعض أثقال الحياة. [email protected]