11 سبتمبر 2025
تسجيلعندما استولى عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (ابن سعود) على الرياض، ونصب نفسه أميراً عليها، عرف أنه لن يتجاوز الرياض بجيشه، وبخاصة أن امارة جبل شمر تفوقه عدداً وقوة، وتشكل تهديداً مستمراً له. فوجد الحل في أهل البادية. ولكن أهل البادية بأسلوب حياتهم الذي يمارسونه يشكل أيضاً خطراً على امارته، فهم معتادون على السلب والنهب كجماعات متفرقة، وعندما تتعرض أي جماعة منهم للخطر فان القبيلة كلها تنظم تحت لواء واحد لدرء هذا الخطر عن أفرادها. فهداه تفكيره الى طريقة مثلى في تشتيت شمل القبائل عن طريق نقلهم من حياة البادية الى حياة الاستقرار، وأن ينتقلوا من رعي المواشي الى الزراعة والتجارة، وأن يتم توزيعهم على الوحدات السكنية على أساس الفرد وليس على أساس القرابة. أسس ابن سعود أول قرية من هذا النوع، في 1911، في منطقة قبيلة مطير، وسميت هجرة الأرطاوية (270 كم شمال الرياض) ونزل فيها أمير المطير فيصل بن سلطان الدويش (الدويش). أما القرية الثانية فقد كانت في منطقة قبيلة عتيبة، وسميت بهجرة الغطغط (80 كم جنوب غرب الرياض) نزل فيها أمير عتيبة سلطان بن بجاد العتيبي (ابن بجاد). تبعتها قرية الصرار لقبيلة العجمان بقيادة أمير العجمان ضدان بن حثلين (ابن حثلين). وبعد ذلك توالت عملية انشاء القرى حتى وصلت، في عام 1929، الى أكثر من 120 قرية أو هجرة. وسميت هذه القرى ب"الهجرة" دلالة على هجرة أهل البادية لحياتهم السابقة. وقام أهل القرى، في أوقات فراغهم الطويلة بالدراسة والتفقه في الدين. وقام ابن سعود بمد القرى "بالمطاوعة"، الذين يتم اعدادهم في الرياض، ليكونوا دعاة ومعلمين ومخبرين لابن سعود. وكان اعتقاد أهل البادية، بعد أن تعلموا أسس الدين، بأنهم انتقلوا من الجاهلية الى الدين الاسلامي الصحيح. ولهذا كانوا في عداء مستمر مع الآخرين الذين لا يريدون الانضمام إليهم، بل اعتبروا أن كل أهل شبه الجزيرة وغيرها، حتى ولو كانوا من أقربائهم، هم من دعاة الشرك، وأن كل من رضي بهم هم مشركون يجب البراءة منهم، وتكفيرهم، وجهادهم. ولقد استطاع "المطاوعة" توجيه الحماس الديني لدى "الإخوان" ليستهدف طاعة الله من خلال طاعة ولي الأمر. ولهذا كان "الإخوان" ينظرون الى ابن سعود بمنظور الامام والقائد. ولكن ابن سعود لم يكن يثق بهم ولكنه انتفع منهم، واستخدمهم متجاوزاً بمهارة مطالبهم المتطرفة، حيث أظهر لهم التوحيد والاسلام والبراءة من الشرك وأهله، وطلب منهم نصرته على ابن رشيد الموالي للمشركين من جند مصر الذين خربوا الدرعية. فبايعوه على نصرة الدين، والجهاد في سبيل الله، والبراءة من المشركين. ونجح ابن سعود في اعداد جيش قوي من المجاهدين. واستطاع الاستيلاء، من خلالهم، على معظم أراضي شبه الجزيرة العربية (لحروب الإخوان انظر المقالتين الماضيتين). فكان "الإخوان" يجاهدون ويفتحون المناطق ويرسلون لابن سعود الخمس مما يغنمونه على اعتبار أنه امام المسلمين. وبدأت قصة النفور بين ابن سعود "والإخوان" عندما سمح ابن سعود، في 1925، للمحمل المصري بدخول المدينة المنورة يتقدمه الموسيقيون، ويحيط به حراس مصريون مدججون بالسلاح. فطالب "الإخوان" من المصريين التوقف عن العزف فرفضوا فأطلقوا النار عليهم وقتلوا بعضهم. وطلب "الإخوان" من ابن سعود المغادرة لمواصلة الجهاد فرفض. وفوجئ "الإخوان" بتصرف ابن سعود. وفي نهاية عام 1926، تم عقد اجتماع بين قادة "الإخوان" وتعاهدوا على نصرة دين الله، والجهاد في سبيله، ومواصلة قتال المشركين، منكرين على ابن سعود تعطيله أمر الجهاد. فسمع ابن سعود عن اجتماع قادة "الإخوان" فعاد، بشكل عاجل، الى الرياض، ودعا في يناير 1927 لمؤتمر خلص بخمس توصيات، من أهمها: 1. اعلان ابن سعود ملكاً على نجد والحجاز. 2. ان أمر الجهاد متروك الى الامام، وعليه أن يراعي ما هو أصلح للاسلام والمسلمين. اختلف "الإخوان" مع ابن سعود على هذه التوصيات، وبخاصة أن الاسلام يحرم الملكية، وتساءلوا: كيف كان الجهاد مطلوبا عندما كان يوسع ابن سعود من رقعة حكمه ولم يعد مقبولا بعدما صار يتعرض لمصالح الدولة البريطانية، وحلفائها المشركين؟ ولهذا خلع "الإخوان" بيعتهم مع ابن سعود. وبعدها بأشهر بدأ "الإخوان" بالجهاد على الحدود الجنوبية للعراق. فقام الدويش، في نوفمبر 1927، بالهجوم على مخفر البصية وقتل جميع أفراده. وفي فبراير 1928، وصل الدويش الى جنوب غرب الزبير وتسبب في قتل وجرح أكثر 100 شخص وغنم مغانم كبيرة. وقام سلاح الجو البريطاني، كرد فعل بريطاني، بقصف "الإخوان" لمدة ثلاثة أيام متتالية مما أدى لتراجعهم. وفي بداية 1929 قام ابن بجاد والدويش بحشد قواتهما لشن الغارات على القبائل العراقية، الا ان خبر الغزو تسرب وتجمعت على اثرها القبائل العراقية، بقيادة غلوب باشا، مما أجبر "الإخوان" على التراجع عن مخططهم ونزلوا في حفر الباطن. قام "المطاوعة"، بتوجيه من ابن سعود، بتكفير "الإخوان" لخروجهم عن طاعة امامهم وولي أمرهم وأطلقوا عليهم مسمى "الخوارج". وبناءً على تلك الفتوى قام ابن سعود بدعوة الناس لمقاتلة "الخوارج" مع منح كل مقاتل ثلاثة جنيهات نقداً ووعدهم بالغنائم الجزيلة. وتجمع لديه عدد كبير من المقاتلين. وتقابل "الإخوان" مع جيش ابن سعود، في نهاية مارس 1929، في السبلة، وانتهت المعركة في أقل من نصف ساعة وذلك لاستخدام ابن سعود 12 مدفعاً رشاشاً، كان قد أخفاها عن "الإخوان" حتى بدء المعركة، فحصدتهم حصداً ومن لم تصبه هرب من أرض المعركة، ولكن فيصل بن عبدالعزيز تتبعهم بخيالته وقتل منهم أعداداً كثيرة. أصيب الدويش في المعركة وتم أسره، فطلب العفو من ابن سعود، فلما رأى جراحه ظن أنها قاتلته فعفي عنه ورجع الى الأرطاوية. عرف ابن بجاد بعفو ابن سعود عن الدويش فظن أنه اذا استسلم سيعفو عنه ابن سعود. ولكن ابن سعود ألقى القبض عليه وسجنه في الرياض ودمر قريته. بعدها رحل ابن سعود الى مكة للحج معتقداً أنه أنهى تمرد "الإخوان" وثورتهم. وبعد أن تعافي الدويش من جراحه خاف أن يسمع بذلك ابن سعود فيأمر بسجنه فترك قريته واستقر بين الاحساء والكويت. حاول الحصول على موافقة ابن صباح (احمد الجابر) للتحالف معه ضد ابن سعود مقابل استرداد الاراضي التي اقتطعت من الكويت، ولكن ابن صباح رفض. وفي هذه الفترة ثارت عتيبة على ابن سعود وانظم لهم العجمان ومطير. طلب ابن سعود من الانجليز نجدته فانهالت عليه شحنات الأسلحة المختلفة والطائرات الحديثة والأموال الوفيرة، في حين لم يكن لدى "الإخوان" سوى البنادق القديمة. وأصبح "الإخوان"، بتخطيط من الانجليز، محاصرين من الحدود العراقية والكويتية اضافة لحصارهم من نجد. وتحت هذه الظروف أخذ بعض زعماء "الإخوان" بالانتقال الى معسكر ابن سعود. وجد الدويش أنه من المستحيل القيام بأي عمل عسكري على الانجليز، أو ابن سعود، وعليه، وفي 10/1/1930، استسلم الدويش وابن حثلين وصاهود ابن لامي الى الانجليز. وفي 30/1/1930 تم تسليمهم لابن سعود. سجن الدويش مع ابن بجاد، وقام ابن سعود بتشتيت "الإخوان" وتدمير بعض قراهم، وانتهى أمرهم كقوة محاربة. وبعد سنتين توفي الدويش وتضاربت الآراء في سبب وفاته. وبعد وفاة الدويش تم تغيير مسمى مملكة نجد والحجاز وملحقاتها الى المملكة العربية السعودية. وفي الختام نقول انه ومع أن "الإخوان" قاموا بترويع المسلمين بأفعال دموية الا أنهم، وبحسب ما تربوا عليه، كانوا يعتقدون بصدق توجهاتهم في نصرة الدين الاسلامي. لقد أساء ابن سعود للاسلام وصارت الفتاوى الدينية التكفيرية تخرج من قصر ابن سعود ممهورة بتوقيع المفتي. ويستمر غدر ابن سعود بالاسلام والمسلمين أكثر من السابق. ولنا عودة، مرة أخرى، ان شاء الله. والله من وراء القصد،،