14 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن ينقص العراق الذي تخلف عن ركبه العربي والعالمي إلا قيادات تدخل إلى مراقد الموتى حبواً لتقديس رفات أئمة قضوا منذ أربعة عشر قرنا، ثم يعودون إلى مكاتبهم لإصدار الأوامر للقوات العسكرية والمليشيات التي انخرطت في المنظومة الرسمية لقصف المدن التي يقطنها المسلمون السنّة، في لعبة تبادل الأدوار ما بين قصف يهود الحكومة الإسرائيلية الصهيونية للفلسطينيين في غزة والضفة، وقصف أتباع المالكي للمدن العراقية التي يرون أنها تستحق عقابا إلهيا، لأن أهلها هم من أهل السنة الذين لا تحبهم عمائم الحوزات في إيران ولا القيادات الجديدة في العراق من أتباع النيران الفارسية.في العراق العربي هناك الكثير من الشيعة العرب الذين يحافظون على وطنهم وعلى علاقاتهم ببقية الطوائف والملل في وطنهم العراق ولكن أين هم، إنهم مهمشون منذ استتب الحكم لأول رئيس وزراء خرج من تحت عباءة بريمر، وهو إبراهيم الجعفري الذي صب جام غضبه المجنون على كل عربي وخصوصا السنة، ومن هناك بدأت الحرب الطائفية، فقد أدخل في الحكومة الصورية التي شكلها وزير داخلية باسم مزور، ويقال إنه إيراني جاء للمساعدة في تأسيس قوة الاجتثاث لأتباع النظام السابق، ثم ذاب كالملح في الماء بعد أشهر من خروج حكومة الجعفري من المشهد ليتسلم المالكي حكما مستبدا جديدا في العراق الجديد.ما يفعله نظام المالكي اليوم من قصف قواته بالطائرات والمدفعية وقوة المشاة ضد العراقيين الأبرياء هو تماما ما كان سببا في صيحاتهم وادعاءاتهم طيلة حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وحزب البعث من أن النظام يرهب ويرعب ويقتل المناهضين له، ولكنهم فعلوا أكثر مما فعله أتباع النظام البعثي السابق، فكل العمليات العسكرية الكبرى التي قام بها قوات صدام حسين كانت ضد مناطق ثارت على الحكم مدعومة من إيران، وهذا لم يعد سرا، فيما جميع حكومات العراق الجديد أمعنت في قتل كل معارض لسياساتها دون أي تدخل خارجي.ما تفعله حكومة المالكي هذه الأيام في محافظة الأنبار وخصوصا في مدن الرمادي والفلوجة ينحدر إلى مستوى جرائم الحرب ضد الإنسانية ويجب أن يحاسب عليه أمام المحكمة الجنائية الدولية، فليس من الممكن أن يبقى العالم صامتا على رجل لم يعرف تاريخ العراق له اسما قبل وصوله إلى الحكم، ثم يحكم المرة الثانية بتجاوزه للدستور واغتصابه للسلطة ، وها هو يحضر نفسه لفترة حكم ثالثة معمدة بدماء الأبرياء من أبناء محافظة الأنبار وقبلها مدن العراق الوسطى ، وكل ذلك بدعوى كاذبة وهي مطاردة الجماعات الإرهابية وأتباع القاعدة، والقوات الحكومية ومليشياتها لا تقل عن الجميع إرهابا.إن صمت الأنظمة العربية على ما يحدث في العراق هو صمت جبان، سيأتي في النهاية على ما تبقى من رموز محترمة لأهل السنة والشيعة العرب الوطنيين وأتباع الطوائف الأخرى وأهمها المسيحيون الذين لم يعد لهم ذكر في ظل حكم الطوائف، وعلى ما تبقى من لسان لجامعة الدول العربية أن يغرد بمطالبة المالكي وحكومته، وكذلك الرئيس جلال طالباني الذي لم يعد له أي ذكر وكأنه رئيس لكردستان، أن يتوقفوا عن جرائمهم السياسية والحربية ضد مكون أساسي من مكونات الشعب العراقي، وأن يغلقوا مكتب الاتهام السريع لكل من يعارض إيران أو أزلامها في العراق فيحاكموهم بطرق بدائية مكشوفة.لقد كاد العراق أن يخلو تماما من أصناف البشر المتميزين علميا وفكريا وسياسيا واقتصاديا، بعد موجات اغتيالات ضد هذه الشرائح بطريقة ممنهجة لا تقودها إلا دولة تريد أن تعيد العراق إلى صحراء بشرية يسهل السيطرة عليها، في ظل الشعور بالزهو المرضي لنصرة المذهب وتصدير تعاليم الولي الفقيه الذي يعتمد التقية السياسية للسيطرة على بلاد كانت في يوم من الأيام منارة العلم والحضارة والتعايش بين الأديان والمذاهب تحت حكم نظام قوي وجيش قاهر، وهذا لا يخدم سوى الحكام المتطرفين في إيران المتعطشين للثأر للتاريخ المجنون الأرعن الجاهلي.إن الادعاءات بوجود حكم للجماعات المسلحة والمتطرفة في مناطق غرب العراق المحاذية للحدود السورية والأردنية ما هي سوى فزاعة لتبرير تنفيذ حكم الطاعة للسيد المالكي، وتحطيم المعنوية لدى السكان الآمنين الذين ثاروا ضد الظلم والتمييز المجحف الذي تمارسه حكومة المالكي منذ سبع سنوات عجاف، وهو يريد في المقابل تأمين الطرق الغربية للإمداد اللوجستي لمليشيات حزب الله وقوات النظام السوري التي تقاتل ضد الشعب السوري، وحتى إن صحت المبررات التي يعلنها المالكي وأعوان سلطته في بغداد وعلى الأرض فهذا يعني أن حكومته فشلت في ترسيخ أركان الدولة وتأمين الأرض بسلام وأمن وعليها أن ترحل فورا وتترك الساحة لانتخابات لا تتدخل فيها المرجعيات الدينية بالفتاوى المضحكة.