12 سبتمبر 2025
تسجيل"لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، وإذا أرخوها شددتها، وإن شدوها أرخيتها" في هذا التعبير المجازي عن تصريف الشؤون العامة للدولة وسياسة الحكم في اتصالها بالأفراد والقبائل والأمصار في الداخل أو بتنفيذ ذلك في علاقاتها الدولية في الخارج، هنا قدم لنا معاوية بن أبي سفيان تعريفاً لما اشتهر به من مرونة ومهارة دبلوماسية في لقاء الخصم وكسب أعوان هذا الخصم، وتنفيذ سياسته على ذلك في الداخل والخارج، كما تم تعريفها اجتماعياً بأنها "الأسلوب الشائع اليوم للاتصال بين الحكومات"، وعرفتها أيضاً الموسوعة البريطانية بأنها "فن إدارة المفاوضات الدولية". وكما يتم في السابق من تداول ذلك على ألسنة الناس وحتى يومنا هذا للحفاظ على القربى والمودة والصداقة والأخوة وتجنب العداوة والمشاحنة و"الزعل" بقول العامة "واحد يشد وواحد يرخي"، هكذا هي مباشرة العلاقات بين الدول وبفن إدارة المفاوضات يأتي مضمون هذه العلاقات الأساسي، أما من يريد غير ذلك من الأوصاف فلا مانع حسب شخصية الدبلوماسي وحسن تصرفه في الإطار الذي أعدته له دولته وألزمته به، لذلك كان أسلوب العمل وحق اختيار أنسب الوسائل لإدارة العلاقات بطرق فنية للوصول للأهداف والحلول لأصعب المسائل الشائكة أو حتى المعلقة بما تمليه السياسة الوطنية للدولة ولا ننسى رفض الرئيس (ويدر ويلسون) وإدانته لأي دبلوماسية تتم من تحت الطاولات أو بالخفاء وهو الذي دعا للعمل الدبلوماسي الواضح المكشوف بعيداً عن الظلام، لذلك عزز (ليستر بيرسون) الدبلوماسية السياسية وتنفيذ ذلك بشكل شخصي بواسطة وزارة الخارجية وأيضاً رؤساء الدول أو من يمثلهم لذلك وعلى سبيل المثال تجد في المفاوضات تتم بشكل علني ومكشوف للصحافة ولوسائل الإعلام المختلفة وحتى مؤتمر فيينا التزمت أيضاً الدبلوماسية الأوروبية بقواعد غير مقننة، لذا تجد أن بعد هذه المرحلة تم تقنين الدبلوماسية وعُقدت المؤتمرات والاتفاقيات التي تعزز ذلك. ما زالت الدبلوماسية تعنى ببيان إدارة الشؤون الدولية، وكما اعتبرنا أنها فرع من فروع القانون العام فإن تنظيم الاتصال الخارجي بين الدول ووسائل تمثيل كل منها وكيفية التشاور والتفاوض فإن ذلك يستمد أغلبه من العرف أساساً ولكن أيضاً من حسناته أنه عرف غير جامد كبعض الدساتير الوطنية أي أنه قابل للتطور حسب الظروف التي تستجد في العلاقات الدولية. إن القانون الدولي والدبلوماسي تتداخل اختصاصاتهما في كثير من المواضيع لأن الأحكام العادية ذات الصفة القانونية مستمدة جميعها تقريباً من هذا القانون الدولي لذلك تجد أن الأحكام المتعلقة بحق التمثيل الخارجي وإبرام المعاهدات وحضور المؤتمرات كل ذلك وغيره يقرره القانون الدولي وينظمه وتمتد بالقانون الدولي أن يحدد ما يتمتع به ممثلو الدول من امتيازات ليكون قانونا ملزما للمجتمع الدولي، ولا ننكر هنا أن كل دولة تستمد أحكامها من تشريعاتها الوطنية وقوانينها وتقاليدها الراسخة وهذا هو الاختلاف بين دولة وأخرى مرجعه ما يقرره القانون الوطني لكل دولة، والأهم هو تصريف شؤون العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات وهذا الأسلوب الذي تتبعه غالبية الدول لتنظيم ورعاية مصالحها وتعتبر أيضاً من الحرف والفنون لرجل السياسة مهما اختلف الشكل الذي تجري عليه لذلك تشغل المفاوضات في مجال النشاط الدبلوماسي مكانة كبيرة لدرجة أنه كثيراً ما يعرف النشاط الدبلوماسي بالمعنى الضيق بأنه فن إدارة المفاوضات وعقد المعاهدات بين الدول لذلك هي تتناول العلاقات الدولية والخارجية وتدل على السياسة الخارجية أو على الآلية التي تقوم بإنجاز هذه العمليات وذلك كما عبر عنها (هارولد نيكلسون) وأدعو المهتمين لقراءة كتاباته. ولا ننسى البريطاني السياسي (أرنست ساتو) الذي يرى أن استعمال الذكاء والكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المختلفة المستقلة، وهو تقريباً نفس رأي (شارل دي مارتنس) باستثناء أنه أضاف بعض الأفكار في المفاوضات. وعندما نقول العلاقات الدولية إنها تفاعلات بين السلوك في الوحدات الدولية فإن ذلك لا يعني اقتصار الفاعلين الدوليين على الدول فحسب، فهناك نوعان أيضاً من الأطراف الدولية التي تتعامل وتتفاعل في محيط العلاقات الدولية وهي الأطراف التي تعمل دون مستوى الدولة مثل بعض الجماعات التي قد يكون لها سمات قبلية أو سياسية أو مكانة عرقية أو مجتمعية وقد تخرج عن إطار الدولة وتقيم علاقات مع كيانات دولية خارجية بغض النظر عن موافقة أو عدم موافقة الدولة، وهناك أيضاً الفاعلون كالتنظيمات التي تخطت إطار الدول لتضم إليها دولا أخرى سواء كانت منظمات إقليمية أو دولية أو سياسية أو عسكرية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية، لذلك شبه البعض العلاقات الدولية بنمطين (نمط تعاوني، ونمط صراعي) وفي الغالب النمط الصراعي هو الذي يغلب على التفاعلات الدولية، أما النمط التعاوني فهو تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية وغيرها، ونحن نرى أن العلاقات الدولية هي فرع من فروع العلوم السياسية، بسبب أنها تهتم بدراسة الظواهر التي تتجاوز الحدود الدولية ولا تقتصر على تحليل الأبعاد السياسية فقط في العلاقات بين الدول، إنما تتعدى ذلك إلى مختلف الأبعاد الثقافية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، إذا هناك مجموعة أشكال تنظيمية للعلاقات الدولية سواء كانت شخصية قانونية دولية أو غير ذلك، وبالنسبة للربط بين العلاقات الدبلوماسية والعلاقات الدولية فيمكن القول بأن الدبلوماسية جزء من العلاقات الدولية وأن القانون الدولي يسعى لتحقيق أهداف مختلفة تماماً عن أهداف العلاقات الدولية. لذلك فإن (Nicolas) يرى أن العلاقات الدولية هي علاقات بين أفراد ينتمون إلى دول مختلفة وما السلوك الدولي إلا سلوك اجتماعي لمجموعات تتأثر بسلوك أفراد ينتمون إلى دول أخرى، والاقتصاد اليوم يلعب دوراً كبيراً في وضع أسس تطور المجتمع الدولي والعلاقات الدولية في حياتنا المعاصرة. وسوف نكمل في المقالة القادمة المنظور السياسي الجديد على وجوب الاعتراف بازدياد تعقيد هيكل النظام الدولي في العلاقات الدولية. مستشار وخبير قانوني [email protected]