14 سبتمبر 2025
تسجيلتواصل معي صديق عزيز من سلطنة عمان الحبيبة بعد مقال الأسبوع الماضي، ودار بيننا حوار جميل حول موضوع القيادة وصفات القائد، وكان محور الحديث يدور حول الإجابة على السؤال التالي " هل القيادة فطرية أم مكتسبة؟"، ولعل هذا التساؤل ليس بجديد وإنما طرح قديماً وحاضراً وسيطرح مستقبلاً من قبل باحثين ودارسين حاولوا أن يتوصلوا إلى مقومات وسمات وخصائص الشخصية القيادية، فإن كان بالإمكان أن تصنع فيصبح من السهل لكل مجتمع أن يعمل على خلق وإعداد قياداته التي ستساهم في بنائه وتطويره، أما إن كانت جينية فسوف يكون من المحال صنع القادة، ويجب البحث على من يحمل الصفات الوراثية للقائد من خلال إيجاد آلية أو أساليب تحدد توفر هذه الصفات، وأعتقد أن هذا أمر غير منطقي. إن الصفات والمهارات القيادية بشكل عام يمكن أن تكون الاثنين، أي يمكن أن تكون فطرية خلقت مع الإنسان كأي موهبة أو ملكة مثل موهبة الرسم وملكة الشعر والكتابة وغيرها، أو يمكن اكتسابها بالتعليم والتدريب والجهد والمثابرة والاحتكاك والخبرات والتراكم المعرفي، ولكنها في هذه الحالة لن تكون بنفس مستوى من فطره الله عز وجل بهذه الصفات مهما أجاد الإنسان في تعلمها ودراستها. ولابد أن نشير هنا إلى أن هناك عوامل أخرى تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في بناء أو تأسيس شخصية القائد، والتي منها الأسرة والمجتمع والمناخ الاجتماعي والأوضاع المحيطة بشكل عام. إن القادة العظماء هم نتاج بيئتهم، فالظروف والأحداث والعوامل المحيطة بهم ساهمت بشكل مباشر ورئيسي في بروز قدراتهم القيادية في تحقيق أهداف وآمال مجتمعاتهم، لذا فإنه من البديهي إذن تواجد مجموعة من الأشخاص يؤثر فيهم شخص واحد فيقودهم لتحقيق وإنجاز أهداف أو أحلام أو آمال معينة حتى يصبح قائدا عظيما، وكذلك لابد من وجود دوافع وظروف معينة لخروج مثل هذه الشخصية القيادية للعلن، فمثلا صنفت دراسات كثيرة بعض الأشخاص على أنهم قادة عظماء في بلادهم، كالمهاتما غاندي في الهند، وجورج واشنطن في أمريكا، ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا وغيرهم الكثير، والسؤال هنا لو لم يكن هناك احتلال في الهند، ولم تكن هناك حرب استقلال في الولايات المتحدة، وكذلك لم يكن هناك نظام تمييز عنصري في جنوب أفريقيا، فهل سنرى هؤلاء القادة؟. ويمكن القول إن بعض الصفات القيادية يمكن أن تكتسب من خلال التدريب والاحتكاك واكتساب الخبرات، ولكن يلزم أن يكون المتدرب لديه مقومات وخصائص معينة تساعده على ذلك مثل: الذكاء والشجاعة والصدق والأمانة وسرعة البديهة والمعرفة والثقافة العامة وغيرها من الصفات التي يمكن صقلها وتطويرها لخلق قيادات يبنى عليها تطلعات المجتمع، وأعتقد ان الذكاء والشجاعة والأمانة من أهم الصفات التي يمكن أن تساعد في صنع القائد. وبالرغم من أنه يمكن إقامة دورات وبرامج لإعداد القادة إلا أنه لا توجد ضمانات بأن من تم إعدادهم سيصبحون قادة ناجحين، لأن السمات الشخصية عادةً ما تكون لها اليد العليا، فالشجاع بطبعه يكون أكثر قدرة في اتخاذ القرارات من الجبان الذي يمكن أن يتذرع بدراسة الموقف وتحليل المخاطر، والتأني في اتخاذ القرار المناسب في وقت يتطلب فيه الأمر؛ الموقف الشجاع. في الختام قد نتفق أو نختلف في تحديد من هو القائد؟، فهناك أناس يطلق عليهم قادة في مجتمع معين، ولكنهم ليسوا كذلك في مجتمع آخر؛ فجنكيز خان، وهولاكو، ونابليون، وهتلر وغيرهم الكثيرون الذين اعتبرتهم مجتمعاتهم قادة عظماء في وقت ما، كانوا في نظر مجتمعات أخرى ليسوا كذلك، وإنما هم مجرمون وطغاة أبادوا وقتلوا ودمروا وعاثوا في الأرض الفساد. drAliAlnaimi@