09 أكتوبر 2025

تسجيل

أهداف الجامعة الأمريكية – بالقاهرة (1 - 2)

06 ديسمبر 2013

هذا كتاب خطير يأتي في إطار محاولة للكشف عن الدور الثقافي للجامعة الأمريكية بالقاهرة في دعم تبعية المجتمع المصري للمجتمعات الغربية وبصفة خاصة أمريكا وذلك عندما نقف على الأهداف المعلنة التي تبنتها الجامعة كأساس لعملها وكذلك الممارسات المرتبطة بتلك الأهداف من جانب ومدى علاقتها بالتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي مر بها المجتمع المصري منذ نشأت الجامعة عام 1920م وحتى عام 1980م من جانب آخر. وعلى هذا فقد استهدف الكتاب محاولة الوصول إلى حقيقة الأهداف المعلنة للجامعة والأهداف غير المعلنة في المدة التاريخية السابق تحديدها. والكتاب من القطع المتوسط وقد جاء في 310 صفحات مشتملاً على ثمانية فصول بخلاف المقدمة والخاتمة، وقد صدر عن دار "فرحة" للنشر والتوزيع بالمنيا مؤخرا، ومن الجدير بالذكر أن الكتاب قد أعد أساساً كرسالة ماجستير للدكتورة "سهير حسين البيلي" وهي مدرّسة بكلية التربية جامعة طنطا. ترى المؤلفة في بداية الفصل الأول أن أي ظاهرة تحكمها مجموعة من العوامل المتفاعلة. بحيث لا يكون هناك عامل واحد مسؤول عن ظهورها، والظاهرة موضوع الدراسة هي انتشار التعليم الأجنبي في مصر. وهي ظاهرة تحكم نشأتها وتطورها عوامل داخلية وعوامل خارجية متفاعلة. وتركز المؤلفة في هذا الفصل اهتمامها الرئيسي على عدة عوامل أولها العوامل الداخلية: كالسياق الاجتماعي؛ فقد كان المجتمع المصري مهيئاً داخلياً لتقبل الهيمنة الاستعمارية، والتي كان من مؤشراتها نمو التعليم الأجنبي في البلاد. ومن جملة الأوضاع الاجتماعية في مصر الانهيار الاقتصادي فلم يكن هدف محمد علي – في بداية مشروعه النهضوي - الأخذ بالأساليب العصرية وتنظيم الدولة فقط، وإنما كان يسعى إلى استقلال مصر في مواجهة الدول الأخرى وثاني هذه العوامل تقديم حكام مصر المساعدة للأجانب فلم يعارض محمد علي الوجود الأجنبي في البلاد فقد استعان بهم في بناء دولته الحديثة وبدأت البعثات الدينية التبشيرية تظهر في مصر مع سياسة محمد علي التي اتسمت بالتسامح الديني معهم لدرجة أنه أتاح لهم حرية الدعاية الدينية، ثم تلا ذلك عهد سعيد والذي شجع الإرساليات الأجنبية عن طريق المساعدات التي قدمها لها وكان ذلك عهد بداية التغلغل الأجنبي في البلاد، ثم عهد إسماعيل الذي شجع الإرساليات في البلاد وذلك لإرضاء الدول الأوروبية التي كانت تمده بالقروض وثالث هذه العوامل هو تغلغل الثقافة الأوروبية التي بدأت مع حملة نابليون ثم تبني محمد علي مشروع إنهاض مصر على أسس من النموذج الغربي، والبعثات التي أرسلها محمد علي للخارج ثم ظهور الصحافة ومنها صحافة الجاليات الأجنبية والصالونات الأدبية، وأخيراً مقاومة أقباط مصر نشاط الإرساليات. وترى المؤلفة أن العوامل الداخلية سالفة الذكر قد هيأت مصر للخضوع للهيمنة الأجنبية وأن العوامل الخارجية قد عجلت بتحقيقها ومنها: الامتيازات الأجنبية، والتنافس الاستعماري على مصر متمثلاً في الحملات العسكرية والتحالفات السياسية والهيمنة الاقتصادية ثم تدفق الأجانب على مصر، ثم الإرساليات التبشيرية، والاستشراق، والواقع أن مفهومي: التبشير والاستشراق يتضمنان نفس الأهداف ولكن التبشير تنحصر دعوته في حدود التأثير المباشر في عقول الناس من خلال التعليم المدرسي والعمل الاجتماعي في المستشفيات والملاجئ أما الاستشراق فقد اتخذ لنفسه صورة البحث وادعى لنفسه الطابع الأكاديمي. وآخر العوامل الخارجية هي رحلات "السان سيمونيين"، والرحالة الأوروبيون الذين وفدوا على مصر. ونتيجة للعوامل الداخلية والخارجية السالفة تهيأت البلاد لبسط الهيمنة الأجنبية من خلال تغلغل التعليم فكثرت بذلك المدارس الأجنبية ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهي: مدارس الطوائف غير الإسلامية ويندرج تحتها مدارس الأقباط واليهود، ثانياً: مدارس الجاليات الأجنبية وتضم مدارس الأرمن ومدارس الجاليات الإيطالية واليونانية والألمانية ثالثاً: مدارس الإرساليات والفرق الدينية وتضم الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية ومن المدارس الأخيرة الإرساليات الأمريكية. ثم يأتي الفصل الثاني والذي تركز فيه المؤلفة الاهتمام على التعليم الأمريكي بصفة خاصة، منذ بداية تغلغل نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في البلدان العربية مع مطلع القرن التاسع عشر. وقد مثلت الإرسالية الأمريكية أول شكل من أشكال التغلغل الثقافي الأمريكي في البلدان العربية وفي مصر وقد تناولت المؤلفة ذلك من خلال استعراضها لبدء تغلغل النفوذ الأمريكي في الوقت الذي كانت فيه مصر قبلة للإرساليات والبعثات الدينية والتبشيرية من كل الطوائف، وكانت الولايات المتحدة مشغولة بأمورها الداخلية. وحتى بداية القرن التاسع عشر لم يكن لها أي مصالح تجارية في مصر أو أي تمثيل قنصلي في الدولة العثمانية بأكملها، وقد ظل هذا الوضع حتى عام 1930م، عندما عقدت الولايات المتحدة الأمريكية الاتفاق الودي التجاري أو" المعاهدة التجارية" مع السلطان العثماني. ولفتت الإرسالية الأمريكية أنظار القناصل الأمريكيين إلى أهمية رسالتها المقدسة، فأصبح من واجبهم معاونة أعضاء الإرسالية وحمايتهم في مهامهم التبشيرية. وقد بدأ وجود الإرسالية في مصر مع بداية عام 1851م، وكان غرض الإرسالية في البداية، تحويل أقباط مصر إلى المذهب البروتستانتي، وأيضاً التبشير بالمسيحية بين المسلمين، وتم تسخير التعليم لخدمة الغرض التبشيري، ففي البداية استمر التوسع في مدارس الإرسالية على مستوى مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي فقط. وأدرك المبشرون الأمريكيون أن التأثير في قادة الرأي العام في البلاد، وفي الجيل الناشئ في الشرق، لا يمكن أن يتحقق إذا لم يكن ثمة تعليم عال، وعلى هذا الأساس أوجد المبشرون الأمريكيون الجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة، وكان لهم وجهة نظر في إقامة الكليات في المراكز الإسلامية، لذلك لم يكتفوا ببيروت وإنما أرادوا أن يكون لهم وجود في القاهرة بجوار الجامع الأزهر. وفي الفصل الثالث يلقي الكتاب الضوء على نشأة الجامعة الأمريكية بالقاهرة والعوامل التي واكبت هذه النشأة، على النحو التالي: أولاً: بداية التفكير في إنشاء الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقد تشكلت لجنة من مبشري الإرسالية الأمريكية والتي وصلت في تقرير لها إلى أن مصر مؤهلة في هذا الوقت لإقامة هذا المشروع، وتشكلت لجنة ثانية عام 1912م قام أعضاؤها بفحص شامل للأنظمة التعليمية وقد قررت اللجنة ضرورة إقامة جامعة مسيحية بمصر، بسبب سوء التعليم العالي بمصر متمثلاً في الأزهر أو الجامعة الأهلية الوليدة. ثانياً: ظروف مهيأة لنشأة الجامعة الأمريكية بالقاهرة بسبب أوضاع مصر الداخلية لكونها خاضعة للاحتلال البريطاني وكذلك استمرار التيار المسيحي العالمي في نشاطه. ثالثاً: الخطوات العملية لنشأة الجامعة الأمريكية بالقاهرة: وقد تناولت المؤلفة جهود "تشارلز واطسون" لدعم مشروع الجامعة، واختيار القاهرة كأفضل مكان للجامعة من حيث كونها مركزاً فكرياً للعالم الإسلامي، أما عن الموقف البريطاني من فكرة إنشاء الجامعة فغير واضح من البداية حتى عام 1914م فقد قوبل الطلب الأمريكي بالرفض لأن تحديد مكان الإنشاء بالقرب من أهرام الجيزة غير مناسب لأنه يشوه الشكل الجمالي وكذلك الاعتراض على تسمية الجامعة باسم "الجامعة المسيحية"، ثم وقع أخيراً اختيار "تشارلز" على قصر "نيستور جانكليس" بشارع القصر العيني بجوار ميدان الإسماعيلية [ التحرير حاليا ] بالقاهرة، ولكن وقت الحرب العالمية الأولى حولت جميع المباني الحكومية إلى مستشفيات لصالح مصابي الحرب، وعقب انتهاء الحرب في محاولة للتودد للقوة الأمريكية الصاعدة وافقت بريطانيا على مشروع الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وسهلت لها الحصول على المبنى الذي كانت تشغله كمستشفى أثناء الحرب. رابعاً: الجامعة الأمريكية بالقاهرة والمؤسسات المدنية والدينية وتناولت المؤلفة في هذا الجزء موقف السلطات البريطانية الذي تحسن عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وكذلك موقف السلطات المصرية المؤيد للجامعة لكونها تجربة جديدة في الحياة التعليمية في البلاد، وقد حدثت بعض المشاكل بين الإرسالية والجامعة لأن الاعتمادات المالية توجه للجامعة مباشرة بعد أن كانت تذهب للإرسالية ومنها للجامعة وكذلك ارتفاع راتب مدرسي الجامعة مقارنة بمدرسي الإرسالية في حين ترى الإرسالية وجوب حدوث العكس لتشجيع المبشرين، فعقد مجلس الجامعة في عام 1923م اجتماعاً وفيه تقرر استقلال الجامعة الكامل عن الإرسالية.