01 نوفمبر 2025
تسجيلكل الخلافات صبت في قضية صياغة وإقرار الدستور، حتى أصبح الدستور هو الثورة.. والثورة هي الدستور. بدأت القصة فور أن أصبح نجاح الثورة المصرية واقعا وحقيقة ثابتة بإعلان تخلي مبارك عن السلطة، إذ اندلعت معركة الدستور بين قوى الثورة المتوحدة حتى لحظة الفرح الشعبي غير المسبوق، وانقسمت البلاد إلى تيارين، أحدهما: تيار ضم في صفوفه القوميين واليساريين والليبراليين، أعلن أنه ينشد ولوج البلاد فورا نحو كتابة الدستور قبل أي خطوات أخرى، والثاني: التيار الذي ضم الأحزاب والجماعات الإسلامية، الذي أعلن في المقابل أنه ينشد السير نحو بناء مؤسسات منتخبة (مجلسي الشعب والشورى والرئيس الجديد) لتضع تلك المؤسسات الجديدة المنتخبة مهمة كتابة الدستور على رأس جدول أعمالها. واحتدم الخلاف إلى درجة تنظيم استفتاء شعبي في مطلع الثورة وجاءت نتيجته لمصلحة رؤية الإسلاميين وكان جوهره هو الإقرار بجدول أعمال المرحلة الانتقالية، وعلى رأسها تشكيل جمعية تأسيسية لوضع الدستور، من قبل مجلسي الشعب والشورى المنتخبين. لم تحل المشكلة رغم الاستفتاء، وما حدث أن التيار الأول غير أسلوب حركته دون أن يتخلى عن هدفه، فجرت لقاءات وصياغات تحت عناوين مختلفة، كان أبرزها ما قام به كل من الدكتور يحيى الجمل والدكتور علي السلمي والمجلس الرئاسي، لوضع صيغ لما سمي بالمبادئ فوق الدستورية، وهو ما فهمه دعاة صياغة الدستور من خلال هيئة منتخبة بأنه التفاف من نخبة ضيقة على إرادة الشعب، على اعتبار هي أن الشعب اختار عبر الاستفتاء أن يترك أمر الدستور كاملا لهيئة منتخبة من ممثلي الشعب المنتخبين، وهكذا تواصل الخلاف وتحول إلى صراع، في داخل الجمعية التأسيسية المنتخبة، ومن خارجها، حتى جرى حل الجمعية التأسيسية الأولى لوضع الدستور، وكادت الثانية أن تلقى نفس المصير فكان أن بادر رئيس الجمهورية المنتخب إلى تحصينها ومنع حلها، بما صنع أزمة جديدة جوهرها كتابة وإقرار الدستور. الآن تبدو معركة الدستور في طريقها للحسم لمصلحة الاتجاه الإسلامي، إذ انتهت الجمعية التأسيسية (المحصنة بقرار رئاسي) من صياغة الدستور، وأعلن الرئيس عن دعوة الشعب للاستفتاء عليه في 15 ديسمبر الحالي، غير أن الاتجاه الليبرالي اليساري القومي – المدني- أعلن أن الدستور لا يمثل إلا الاتجاه الثاني، وأنه استبعد فعليا من صياغة الدستور، وتراوحت ردود الفعل بين منع الوصول إلى يوم الاستفتاء عبر إعلان العصيان المدني، أو من خلال تعويق انعقاد الاستفتاء برفض القضاة – الذين علقوا عملهم – الإشراف على إجرائه، وهناك من طرح المقاطعة، فضلا عن دعوة للتصويت بلا على الدستور، بما يفتح الطريق أمام تشكيل لجنة أخرى لصياغته من جديد. هي إذن معركة مستعرة منذ لحظة مغادرة مبارك وإسقاط نظامه، غير أن السؤال الحائر فيها، لا يتعلق بتحديد أطرافها، ولا بفهم المرامي والأهداف من هذا الصراع. السؤال الحائر في عموم البلاد يجري حول جوهر الخلاف الذي وصل بعلاقات قوى الثورة إلى تلك الدرجة؟! الإسلاميون يرون أنها معركة حول الهوية وأن الدستور الحالي لم يختلف في صياغته فعليا، إلا على نقطة أو بند الشريعة، بل حتى هذا قد جرت حوله تسوية تحافظ على هوية مصر. والتيار الآخر يرى أن المعركة تتعلق بانفراد التيار الإسلامي بوضع الدستور من حيث المبدأ، وبأن الحريات قد أضيرت في نصوص الدستور، وأن الأبعاد الاجتماعية جاءت فضفاضة ولا تحقق أحد أهم مبادئ الثورة، وهو العدالة الاجتماعية. إلى أين تسير الأمور إذن؟ هناك ثلاثة احتمالات، أولها: ألا ينعقد الاستفتاء من الأصل بفعل ضغوط داخلية أو خارجية، وهنا لاشك أن الثورة والقوى والتيارات الفكرية والسياسية، ستدخل في اختبار خطير للغاية. وثاني الاحتمالات: أن ينعقد الاستفتاء ويصبح الدستور كامل الشرعية والصلاحية إذا خرجت النتائج تقول نعم، وهنا تصبح شرعية الحكم أوسع وغلبة أصحاب تلك الرؤية أعمق في داخل المجتمع. وثالث الاحتمالات: أن يقول الشعب: لا للدستور لتتواصل المعركة حول الدستور وتظل مصر تعيش في أزمة الحلقة المفرغة للمرحلة الانتقالية، وهو ما سيكون له تداعيات شعبية ومجتمعية على الحكم والدولة والثورة. مصر إذن في انتظار حدث فارق في عمر الثورة.