18 سبتمبر 2025
تسجيلتسبب السيد ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، في حدوث بعض الانزعاج بمنطقة الخليج خلال الشهر الماضي عندما صرَّح بأن الدول المصدرة للنفط قد تلقت مكافأة غير مستحقة من خلال الارتفاع الحاد في أسعار النفط، وأنه يتعين على هذه الدول إعادة توزيع فوائضها في جميع أنحاء العالم. ولم يُعرب أحد عن تعاطفه مع مصدري النفط عندما انخفض السعر إلى أقل من 10 دولارات للبرميل خلال عمليات الإغلاق إبان فترة انتشار فيروس كوفيد-19 في عام 2020. ولا تتعرض البلدان المصدرة للغذاء لانتقادات مماثلة عندما يرتفع السعر العالمي للحبوب. علاوة على ذلك، فإن إعادة تدوير العائدات الدولارية للنفط هو نمط ترَّسخ لعقود من الزمن، ويقدم فوائد لبقية الاقتصادات في العالم. فقد بيَّن بحث صادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2006 كيف تنقسم عملية إعادة التدوير إلى فئتين رئيسيتين وهما: الاستيعاب - الاستهلاك المحلي، الذي يدخل في تغطية الواردات؛ والحساب الرأسمالي، وهو الاستثمارات في الأصول الأجنبية. ويساعد الاستيعاب في تحسين ميزان الحساب الجاري للدول التي تستورد منها الشركات والمستهلكون في البلدان المصدرة للنفط. وفي الواقع، أشار البحث المذكور الصادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2006 إلى أن الإنفاق المرتفع يميل إلى الاستمرار بعد انتهاء فترة ارتفاع أسعار النفط، وهو ما يدل على أن التكيف مع تقلب الأسعار يمثل تحديًا لمصدري النفط والمستوردين على حدٍ سواء. وتوفر استثمارات الحسابات الرأسمالية فوائد اقتصادية للدول المستوردة للنفط، حيث أنها غالبًا ما تكون مستقبلة لعائدات النفط. وقد أشار البحث سالف الذكر إلى أن الاستثمارات المرتفعة لمصدري النفط تميل إلى تمكين أسعار الفائدة من الانخفاض في بقية العالم. بالإضافة إلى ذلك، تشتمل هذه الاستثمارات على الاستثمار الوارد للأعمال الإنتاجية. ومقارنةً بالسنوات السابقة التي شهدت طفرةً في أسعار النفط، عندما تركزت المحافظ الاستثمارية في القطاع المالي والعقارات، أصبحت الاستثمارات الأخيرة أكثر تنوعًا وتطورًا. كما أنها باتت صديقةً للبيئة بشكل أكبر. وأصبح صندوق الثروة السيادية النرويجي، الذي أُنشئ في الأصل باستخدام عائدات صادرات النفط، معروفًا بشكل متزايد بسبب ميله للاستثمار في التكنولوجيا النظيفة وفئات الأصول الأخرى التي تصطبغ بصبغة أخلاقية بارزة. وقد تحركت بعض الصناديق السيادية في منطقة الخليج في اتجاه مماثل، على الرغم من أنها لم تبرز ذلك في وسائل الإعلام. وقد برزت فئة الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) بشكل حاد في السنوات الأخيرة بصفتها دليلاً للمستثمرين. ورغم أن هناك مخاوف بشأن مدى موثوقية المؤشرات ذات الصلة، نظرًا لإمكانيات حدوث ظاهرة الغسيل الأخضر (تضليل المستثمرين او المستهلكين حول الممارسات البيئية للشركة)، فإن التحرك نحو ممارسات الاستدامة جوهري وملموس. وقد ارتفعت استثمارات صناديق الثروة السيادية في فئة الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة من 7.2 مليار دولار أمريكي إلى 22.7 مليار دولار أمريكي بين عام 2020 وأوائل عام 2022؛ وتحظى الاستثمارات المرتبطة بالاستدامة بأولوية متزايدة في جميع أنحاء منطقة الخليج. ومن بين الأمثلة على الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة إنشاء أكبر منشأة للطاقة الشمسية في قطر، حيث جرى ربط محطة الخرسعة لتوليد الطاقة التي تبلغ طاقتها الإنتاجية القصوى 800 ميجاوات بالشبكة الوطنية للطاقة في شهر أكتوبر من العام الحالي، وهو ما سيؤدي إلى التخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 26 مليون طن تقريبًا على مدار عمرها الافتراضي. ووفقًا لدراسة أجرتها شركة إنفسكو، فإن حوالي 75٪ من صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم، و55٪ من صناديق الثروة السيادية في منطقة الشرق الأوسط لديها سياسة متكاملة تجاه الاستثمار في فئة الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة. وقد توصل تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة في عام 2017 إلى أن صناديق الثروة السيادية تُعدُ وسيلةً مناسبةً تمامًا لمساعدة المجتمعات على تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، بسبب آفاقها طويلة الأجل. وخلص التقرير إلى أن هذه الاستثمارات قد بدأت، ويمكن تسريعها بمقاييس أوضح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. والخلاصة هي أن الفوائض الناتجة عن العائدات الدولارية للنفط ليست سيئة بطبيعتها بالنسبة للاقتصاد العالمي، فهي تعتمد على كيفية استخدامها، وستكون دول الخليج طرفًا رئيسيا في هذا المجال بما يخدم الأهداف الإستراتيجية لدولها على المدى البعيد.