12 سبتمبر 2025

تسجيل

أنا وكأس العالم قطر 2022

06 نوفمبر 2022

في سبتمبر/أكتوبر من عام 2010 انتُدِبت للعمل مع اللجنة المحلية المنظمة لكأس آسيا 2011، مساعداً لمدير الاتصالات والتسويق. لقد كان العمل باللجنة على قدم وساق لضمان إنجاح البطولة تنظيمياً وجماهيرياً، وشهدت أروقة مقر اللجنة زخماً غير طبيعي ومُتابعة من الجهات العليا المدنية منها والأمنية، ليس فقط لضمان نجاحها، بل لتكون أنجح بطولات كأس آسيا، التي تقام للمرة الثانية في الدولة، وقد كانت. وفي تلك الفترة، قطر العز، اتجهت بكل طاقاتها ومسؤوليها لتناضل على جبهة بعيدة عن الوطن، هي زيورخ سويسرا، حيث مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، حيث كان الاتحاد الدولي يناقش ملف الدول التي تقدّمت لتنال شرف تنظيم كأس العالم 2018 و 2022، وكانت قطر من ضمنها، حيث قدّمت ملفها لتنظيم كأس العالم 2022. هذا النضال آتى أكله في العاشر من ديسمبر 2010 عندما أعلنت "فيفا" فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022، مُنتصرة بذلك على منافسين شرسين أقوياء لا يتوقع أحد هزيمتهم في تنظيم مثل هذه البطولات، لكن قطر المجد فعلتها، ليبدأ منذ ذلك الوقت هجوم عنيف لا هوادة فيه استُخدمت خلالها كل الوسائل الدنيئة والقذرة لتثني قطر الصمود على ما تعهّدت به أمام العالم بتنظيم بطولة "كأس عالم يفوق في دقته وتميزه عن ما مضى من بطولات، ليدخل كأس العالم 2022 التاريخ، ليس لكونها المرة الأولى التي تنظم في دولة عربية إسلامية فقط، بل لتميّز الشعب القطري بحضارة وثقافة ممزوجة بين البحر والصحراء وكرم عربي وإحسان إسلامي، وما وعدت به من بنية تحتية تشمل أحسن الملاعب وقربها لبعضها بعضا ما يتيح للجمهور الاستمتاع بأكثر من مباراة في اليوم ذاته. يومها، عند الإعلان عن فوز قطر، كنت في مطار الدوحة الدولي متهيئاً للسفرإلى مدريد "العاصمة الأسبانية" ممثلاً عن اللجنة المحلية لمتابعة إنتاج فيلم ترويجي لبطولة كأس آسيا، لقد كان الهدوء والصمت في قاعة الانتظار قبل ركوب الباص لنقلنا إلى الطائره غريباً، وكأن الناس كانوا في انتظار أمر جلل قد يحدث. وفجأة، ومن غير إنذار، وقع الحدث غير المتوقع، والبعيد حتى عن الخيال، فصرخ الكل وهاجت القاعة تصفيقاً وتعالت آيات الشكر والحمد لله، لقد فازت قطر بتنظيم كأس العالم 2022. في وسط هذا الهيجان والفرح والدموع والقُبل المُتبادلة بين المسافرين، تهنئة لبعضهم بعضا، بهذا النجاح في إقناع الفيفا بأعضائها من الدول العظمى التي نافستها قطر وفازت عليها بجدارة، في هذا المشهد الإنساني العفوي الدال عن حُب من يعيش في هذه البلاد سواء كانوا من العرب أم الغرب، احتضنتهم فاحتضنوها، وقفت متأملاً في وجوه الناس حولي ومنهم من يهنئني وما زالت سيماء الذهول تعلو وجوههم، وشردت بتفكيري، أحقاً فازت قطر؟ بلدي الصغير بحجمه وسكّانه، الكبير بشعبه وطموحه. تجمّد فيّ التفكير والتعبير، ماذا يعني كل هذا لقطر وشعبها؟ لقد شاهدنا من قبل بطولات نظّمتها دول عظمى تملك كل مقومات تنظيم مثل هذه البطولة، ليس فقط ببنيتها التحتية وملاعبها وعدد سكانها، ولكن أيضاً من حيث تشابه هذه المجتمعات في بيئتها الاجتماعية والأخلاقية، ومع ذلك لم تسلم من الآثار السلبية لتصرفات الجماهير غير الأخلاقية التي تتعارض كلياً مع أخلاق مُجتمعنا العربي المُسلم المحافظ. هذا، ناهيك عن شروط الفيفا التي تمليها عليها الشركات الراعية لها، مثل شركات المشروبات الكحولية. انتابني شعور الفخر والخوف، الفخر بوطني وشعبه، وقيادته التي تحدّت كل مُعطيات واقع القوى السياسية العالمية التي تتحكّم في الرياضة الدولية ومساراتها لتخدم مصالحها، ليس فقط الرياضية منها بل أيضاً السياسية والاقتصادية، والخوف من المجهول، المجهول الذي علينا انتظاره 12عاماً لندرك ماهيته، سواء كان خيراً أم شراً، وها هو المونديال الآن يطرق الأبواب. كنت خائفاً على المجتمع القطري، وهو مُجتمع شاب، خطا خطوات عظيمة في سنوات قليلة ولكنه مازال يانعاً، لذلك كنت رافضاً ولو بصمت، ليس لتنظيم البطولة، إنما للآثار السلبية التي قد تنتج عنها على مجتمعنا الفتي ذوي الأخلاق الإسلامية السامية والتقاليد العربية السمحة. ومع الإعلان عن فوز قطر بالتنظيم، لم ينتظرالحاسدون والحاقدون طويلاً ليبدؤوا هجومهم على البلاد، ليس فقط من دول هزّهم انتصار قطر عليهم وهم الذين يحكمون العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بل أيضاً من دول تعد صديقة وشقيقة، لم يتوان هؤلاء جميعاً من استخدام كل الحجج والمبرّرات للهجوم على وطننا، كونها دولة صغيرة فتية تفتقر للخبرة والدراية في تنظيم بطولات بحجم كأس العالم وتلميحاً لعروبتها وإسلامها، متناولين من ثم لقضية العمّال التي كان واضحاً فيها الدسائس والافتراءات التي غذّتها الغيرة والحسد، غذتها دول كبرى، وصغرى اعتملت في وجدانها الغيرة، وعندما فشلت كل خططهم، أرادوا استغلال قضية المثليين، ومازال هذا الهجوم مستمراً وقائماً ولم يبق على ضربة البداية إلا أقل من ثلاثة أسابيع، وليس أدل على استمرار هذا الهجوم إلا تصريح وزيرة الداخلية الألمانية التي زارت البلاد مؤخراً. أمام قطر وشعبها فرصة عظيمة، قد لا تعوّض عربياً وإسلامياً لعقود، لابد أن نُبهر العالم بالتنظيم أولاً، والدلائل كلها تشير إلى ذلك، من ملاعب استثنائية في تصميمها كملعبي البيت والجنوب وكذلك ملعبي الوسيل والثمامة. وهذه الملاعب فيها لمحات من التراث والمجتمع القطري العربي الإسلامي. إننا أمام فرصة تاريخية لنقل تراثنا الإسلامي العربي للعالم الذي لا يُدرك ماهية الإسلام الحقيقية والإرث العظيم الذي ترك أثراً حتى على الحضارة الغربية، فالجماهير القادمة لابد أن تتعرّف على تراثنا الإسلامي من سلوكنا وتصرّفاتنا مع بعضنا بعضًا ومعهم. الجماهير القطرية، وكذلك العربية، لابد أن تكون مُنظمة في الملاعب مع الجماهير القادمة من الخارج بشكل يسمح لهم بالاختلاط معهم واغتنام الفرصة للحديث قدر الإمكان عن قطر والإسلام والعروبة وقضايا أمّتنا ومنها القضية الفلسطينية العادلة. كذلك عمل مُحاضرات وجلسات وندوات مفتوحة تقدّم فيها لمحات عن الحضارة الإسلامية العربية يتحدث فيها مُختصون مُثقفون ويُفضّل من يتحدث بلغات أجنبية. إنني على يقين بقدرتنا، حكومة وشعباً وجهات منظمة، أننا سنقول للعالم ماذا يعني أن يُقام كأس العالم في دولة عربية مسلمة، نحن لا نملك النفط والغاز فقط، بل نملك حضارة عمرها أكثر من 1400 عام امتد أثرها من الجزيرة لكل العالم، بالعلم والأثر الطيّب.